على هامش اختتام الذكرى الأربعين لكتابة اللغة الصومالية والتي شارك فيها عمالقة الأدب الصومالي الذين قدموا من الصومال وصومالي لاند والاقليم الصومالي في اثيوبيا ومن كينيا ومن بلدان في المهجر ومن البلد المستضيف جيبوتي التقت القرن بالأديب الصومالي الكبير محمد إبراهيم ورسمه هدراوي وأجرت معه الحوار التالي :
القرن / كيف تقيمون انعقاد احتفاليات ذكرى الأربعين لكتاب اللغة الصومالية والتي شاركتم فيها في جيبوتي ؟
الأديب هدراوي / في البداية أود أن أثمن وأشيد بتلك الجهود الجبارة التي تبذلهاا حكومة جمهورية جيبوتي وشعبها من أجل المحافظة على اللغة التي تمثل الوعاء والمكون الرئيسي للإرث الحضاري والثراث الثقافي والخلفية التاريخية والثقافية للأمة الصومالية وهذه اللحظة التي نادى بها الرئيس اسماعيل عمر جيله بإقامة الذكرى الأربعين لكتابة اللغة الصومالية تعتبر لحظة فاصلة ومهمة و ستكون خالدة لأنها ستسجل في صفحات التاريخ بحروف من ذهب لكن من الواجب أن لا نقف هنا بل يجب أن نستمر في تلك الجهود كما يجب ان نذهب إلى أبعد وأعمق من ذلك يجب أن نقتفي أثر الأسلاف من الأدباء والشعراء والحكماء وندون أعمالهم كي تبقى خالدة وكي يرى العالم أننا شعب له تاريخ أدبي وتراثي عريق وأن لغتنا ليست ككل اللغات إنما هي لغة فريدة تحوى وتزخر بالكثير الكثير من الحكم وأدبنا خير ترجمان عن ذلك ، فكما نعلم هناك الكثير من الغربيين بحثوا فكتبوا عن اللغة الصومالية والأدب الصومالي فانبهروا وذهلوا بعمق معانيه .
وأقترح انشاء لجنة خاصة تبحث وتكتب عن تاريخ الأدب الصومالي واللغة الصومالية والمفردات التي كانت تتداول قديماً ، وأن تسجل وتدون كل كلمة بعد ذلك أن ننتقل إلى تدريس ما جمعناه في المدارس حتى لا يضيع ما جمعناه وحتى لا يكون هباءاً منثوراً
وأرى رغم أن الاستعمار شد رحاله بعيداً ، بعد أن قدمنا وفي سبيل ذلك كل غالي ونفيس ما زال موجوداً مازال يستعمرنا فنحن وهو في حروب دائمة ، فالحرب لم تنته بعد فمازال يحاول بكل ما أوتي من قوة أن ينسينا تاريخنا ولغتنا وعاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا وحكمنا فنحن ندرس بالمدارس تاريخه ونتعلم لغته ونحفظ أدبه وحكمه وهو يحتفل بذلك من وراء الستار فرحاً بانتصار غزوه الفكري فالشاب الصومالي اليوم لا يستطيع ان يقول جملة مفيدة بلغته دون ان يدخل فيها كلمات غربية سواء أكانت ( فرنسية أو انجليزية الخ ) وبمرور الوقت سينسى لغته كلها وهذا هو المغزى والمراد الذي يديده المستعمر الذي مازال للأسف الشديد يحتل أفكار شبابنا الذين بدل أن يفتخروا بتراثهم ولغتهم يفتخرون بلغته وثقافته وحتى بأخلاقه المنحطة
القرن / هل كانت هناك محاولات أخرى لكتابه اللغة قبل السبعينيات ؟
الأديب هدراوي / نعم كانت هناك محاولات كثيرة لكتابه اللغة الصومالية فقد كتبت بالحروف العربية والإيطالية لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل لأنها كانت لأغراض أخرى بعد ذلك نجحت كتابة اللغة الصومالية بالحروف اللاتينية ومنذ ذلك اليوم أصبحت اللغة الصومالية لغة مكتوبة بعد أن كانت لغة منطوقة فحسب .
هذه هي المراحل التي مرت بها كتابة اللغة الصومالية وكانت اللغة الصومالية قد مرت بمراحل كثيرة ولو حدثتكم عن اللغة الصومالية وكيف كانت قديماً فلقد ولدت والكل من حولي يتكلم بلغة أدبية فقد كان جل كلامهم شعراً فالأم تغني لوليدها وراعي الغنم يغني والشباب يغازل الفتاة بشعر ويبنون البيوت وهم يرددون أشعاراً في هذا الشأن ويخوضون الحروب والشعر من أسلحتهم الفتاكه ؛ ويتصالحون بالشعر والحكمة والذي لا يرضى بحكمهم يقيدون يديه ورجليه ويقاد إلى حكيمهم فيقنعه بأمثلة وحكم وشعر ويذكره بمكارم الأخلاق والعفو عند المقدرة وعن أهله وعشيرته ومالهم من سمعه عظيمه في الحلم والصبر ، فيرضى بذلك الكلام وتفك قيوده ويذهب مسامحاً راضياً عن هذا الحكم هكذا كانت اللغة كل شئ في حياتهم هكذا كان الأدب المسعر للحروب و مبردهاً ومثير الحقائد ومزيلها كانوا يعيشون مع الأدب والشعر وكان هو سلاحهم ..
القرن /قبل فترة قمت بمسيرة زرت من خلالها مناطق كثيرة من الصومال رغم أن الحروب كانت مستعرة في تلك الفترة ، الآن وقد بدأت الحروف تسدل ستائرها عن الصومال ، وقد بدأ افجر السلام بالإنبلاج للصومال هل ننوى أن تقوم بمثل تلك المسيرة قريبا ؟
الأديب هدراوي / أولاً دعينى أقول لك عن الأسباب التى قادتنى لتلك المسيرة عندما رأيت أن البلد مزقته الحروب خشيت أن يتمزق الشعب فسألت نفسي عن واجبي حيال ذلك ، فارتأيت أن أطرق كل الأبواب وأزور تلك المدن التى أمطرت عليها ألقذائف وأخفت ملامحها فشددت رحالي وأخذت زادي وبدأت برحلتى أو مسيرتي والتي سميت (( بمسيرة هدراوي للسلام )) بدأتها من مدينة برعو وانتهيت بمدينة كسمايو ومن خلالها كنت أقيم الندوات وأحت على السلام والمحبة وكيف كان الشعب الصومالي موحداً متحاباً .. تلك الفترة كانت من أمر الفترات على الشعب الصومالي لأن الحروب كانت على اشدها وكانت الانقسامات القبلية مسيطرة تماماً على الشعب ، تلك المسيرة نزلت على كثير من قلوب الشعب الصومالي برداً وسلاماً .
وأكدت لي أن الشعب الصومالي رغم الحروب مازال متحاباً ومحباً لشعره وفنه ، من خلال تلك المسيرة أكد الشعب مدى تعطشه للسلام والمحبة .
وفي تلك المسيرة بينت ووضحت موقفي و مبدئي وهو أنني لا أنتمى إلا الشعب الصومالي في أي مكان كان .
أما في وقتنا الحاضر فمازلت موجوداً ومتواجداً في كل مكان وسأخطب في كل المنابر وفي كل المدن الصومالية ماحبيت .
القرن / في الساحة الأدبية الحديثة من الأدباء والشعراء الشباب من تستهويك أعماله ؟
الأديب هدراوي /منذ القدم كان هناك شعراء وأدباء وكانوا بأدبهم وشعرهم وفلسفتهم في الحياة يأثرون قلوب الملايين وكانت تلمع نجومهم ويشتهرون إلى أن يدركهم الموت فيغيبون ولكنهم يتركون الحياة بصمات ويتركون ارثاً تاريخيا ، فمن المحال بقاء الإنسان إلي الأبد لكنني أؤمن أن لكل إنسان رسالة ويجب أن يؤديها فإذا أداها أمن وضمن بقاء ذكراه بعد موته .
وفي الساحة الأدبية الراهنة هناك الكثير من الأدباء الشباب الذين لهم طابعهم الخاص وبصمتهم الفريدة وأعتقد أن هؤلاء سياخذون مكانتنا بعد موتنا فالشعب الصومالي لن يثكل برحيلنا .
ومن أمثال هؤلاء الشعرء يوسف شاعر واحمد أوجيدى والكثيرون غيرهما .
القرن /كلمة أخيرة تود قولها عبر هذا اللقاء ؟
الأديب هدراوي / أشكر الشعب الجيبوتي والحكومة الجيبوتية متمثلة برئيسها على حفاوة وحرارة الاستقبال وكرم الضيافة . كما لا يفوتني أن أشكر كل الشباب الذين حضروا الندوات التي أقمناها في الجامعة والذين بينوا مدى تعطشهم للأدب الصومالي ومدى شوقهم لتعلم تراثهم اللغوي والتاريخي .
وأمنيتي أن لا نقف عند هذا الحد في سبيل المحافظة على اللغة وأن نواصل جهودنا حتى نستعيد هويتنا الحقيقية وحتى نعيد للغتنا عراقتها وأصالتها
أشكرك واشكر جريدة القرن على هذه السانحة ..

أجرت الحوار
صفية عبدالله أحمد