مواكبة لاحتفالات الشعب الليبي بالذكرى الحادية والستين لاستقلال ليبيا والتغيير والتحولات التي تشهدها وبمناسبة توديع سعادته لجيبوتي التقت القرن القائم بأعمال السفارة الليبية الدكتور/ الهادي الوحيشي وأجرت معه هذا الحوار:-
القرن/. بعد ثلاث سنوات من الجهود التي بذلتموها للنهوض والارتقاء بعلاقات البلدين الشقيقين وما بنيتموه من علاقات إنسانية كيف تصفون لنا انطباعاتكم وانتم تودعون جيبوتي؟
القائم بأعمال السفارة / أولاً أريد أن أعبر عن شكري وتقديري لصحيفة القرن على إتاحتها لهذه الفرصة، فهي الصحيفة التي تعتبر بحق نافذة تطل عبرها على جيبوتي وما يحدث فيها من أحداث وتطورات نتعرف من خلالها على هذه البلاد الطيبة التي خرجت منها بعد ثلاثة أعوام من تمثيلي لبلادي فيها بانطباعات وذكرى طيبة، لذا أتمنى لصحيفة القرن مزيداً من التقدم والعطاء
ويسعدني أن أنتهز هذه السانحة لأهنئ عبركم الشعب الليبي بمناسبة الذكرى الحادية والستين لاستقلال ليبيا وأريد أن أعبر عن اعتزازي بهذه المناسبة المجيدة التي جاءت تتويجا لكفاح ونضال الشعب الليبي ضد الاستعمار والمستعمر ضحى فيه الآباء والأجداد بأرواحهم من أجل أن تنال ليبيا استقلالها وحريتها
الذكرى (61) لإعلان استقلال ليبيا، ذلك الإعلان الذي جاء تتويجا لكفاح الأجداد في نضالهم ضد المستعمر البغيض ، ونحن إذ نستذكر اليوم تضحياتهم وعملهم الدؤوب على بناء دولة مدنية حديثة قبيل إنقلاب 1969 المشؤوم، فإننا نستمطر شآبيب الرحمة عليهم ، كما ندعوا بالرحمة والمغفرة للأحفاد الذين ضحوابأرواحهم و بأجود مالديهم إبان ثورة 17 فبراير المجيدة، هذه الملحمة التاريخية العظيمة التي شكلت حلقة وصل بين الأجداد والأحفاد في النضال من أجل عزة وكرامة ليبيا وشعبها.ولقد آن للشعب الليبي أن يحتفل بهذه الذكرى العزيزة، ويسترجع مآثر تلك الحقبة الرائعة والمجيدة من تاريخ ليبيا والتي حاول نظام القذافي الفاسد طمسها وتشويه رموزها. وفي هذا الصدد أريد الإشارة إلى أن النظام القذافي البائد كان قد حرم الشعب الليبي من الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة على قلب كل ليبي والتي تمثل تخليداً لجهاد الآباء والأجداد ضد المستعمر فأربعة عقود حرم فيها الشعب الليبي كما ذكرت سالفاً من الاحتفال بهذه الذكرى، كما عانى فيها شعبنا من الاستبداد والظلم والحرمان والتجهيل، لكن والحمد لله وبفضل ثورة الشعب الليبي في الــ 17 من فبراير تخلص من هذا النظام ومن ظلمه واستبداده . أما فيما يتعلق بفترة عملي هنا في جيبوتي الشقيقة وما خرجت به من انطباعات وما أضافته هذه التجربة إلى رصيدي بشكل عام
فإنني أعتبر فترة العمل التي أمضيتها هنا في جيبوتي بحمد الله وتوفيقه من أفضل مراحل حياتي المهنية نظراً للمسئولية الموكلة لشخصي بحكم الوظيفة في توطيد وتطوير أواصر الإخاء والتعاون بين بلدينا الشقيقين . هذه المسئولية التي هي أصلا واجبة الأداء فإنها في نفس الوقت أمانة كبيرة وان أدائها بصورة كاملة تحدي كبير لا يزال يحتاج لجهد متواصل وعمل بلا كلل ومتابعة متواصلة دون توقف أو يأس لتحقيق هدف ديمومة وتوطيد وتطوير أواصر الإخاء والتعاون المختلفة. الأمر الذي رسخ في عقلي بصورة قوية هذا الانطباع الذي مصدره قيادة ومسئولي ومواطني هذا البلد وهو إصراره على التقدم والتطور وحبه لإحراز النجاح تلو الأخر بتأني ووعي وبجهود متضافرة.
وسيبقي هذا الشعب وهذه الأرض حاضرين بما يدور فيهما من حيوية وتوجه نحو مستقبل أفضل والفترة الزمنية التي عشناها على تراب هذا الوطن هي جزءً من حياتي وان كنت مجبراً بحكم قواعد وإجراءات الوظيفة للابتعاد عنه قليلاً وللترتيب لوضع أفضل إنشاء الله فان ذلك لا يعني ولن يكون وداع . تربطني هنا علاقة إخاء بالعديد من أبناء جيبوتي الذين اعتز بديمومة هذا التآخي معهم.
القرن/لقد شهدت فترة تمثيلكم تحولات تاريخية وصعوبات كبيرة مرت بها ليبيا فما هي الانطباعات التي تحملونها من هذه المرحلة الدقيقة ؟
القائم بأعمال السفارة / لا أخفيكم بأن الوضع كان صعبا ودقيقا ففي الوقت الذي كانت ليبيا تمر بعملية التحول كنت أعمل هنا وحيداً أقوم بواجبي الدبلوماسي عانيت في تلك الفترة من الكثير من المتاعب والصعوبات والمواقف العصيبة خلال تلك المرحلة التي كنت فيها أحاول جاهداً القيام بأداء مهامي هنا في السفارة لكن وبفضل الله وبالتعاون والتفهم الذي وجدته من الاخوة في الحكومة الجيبوتية معنا حيث لم يبخلوا علينا بالنصح والمشورة .. حتى مرت تلك المرحلة بسلام، كما أريد الإشارة إلى أن جيبوتي كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي حينها استطعت الإعلان عن موقفي مع الثورة، أي حين أبلغنا هنا من قبل دولة رئيس الوزراء ومعالي وزير الخارجية عن اعتراف جيبوتي بالمجلس الوطني الانتقالي حينها وفي نفس اليوم أعلنت كتابياً ورسمياً عن انضمامي للثورة، وقد كان هذا هو موقفي من الثورة منذ البداية وقبل هذا التاريخ بأربعة أشهر لكن ولأسباب يعرفها الجميع لم أعلن عن ذلك الموقف حتى أتيحت لي الفرصة وبهذه المناسبة .. فلا يفوتني هنا أن أعبر عن شكري وتقديري البالغ لمعالي وزير الخارجية والتعاون الدولي السيد/ محمود علي يوسف، كما أريد أن أشكر السيد/ محمد دعاله مدير الدائرة العربية في وزارة الخارجية، أريد أن أشكرهم على مواقفهم الداعمة وتعاونهم مع السفارة الليبية وبفضل ذلك الدعم وذلك التعاون استطعت أن أقوم بأداء مهام السفارة وحيداً، والشكر كذلك موصول إلى الشعب الجيبوتي كافة ذلك الشعب الطيب والمعطاء والذي لمست فيهم تلك الطيبة طيلة تواجدي وتعاملي معهم هنا طيلة السنوات الماضية .. والآن يعز علي أن فارق هذه البلاد وهذا الشعب الطيب الذي سأظل أذكرهم دائماً وأتمنى لهم الخير والرخاء والتقدم.
القرن/ كانت لديكم أولويات للنهوض بشكل اكبر بعلاقات البلدين فهل من برنامج عملتم على انجازه ولم يمهلكم الوقت وما الأولويات التي ترون أن ينطلق منها زميلكم الذي يخلفكم بناءًا على ما تم انجازه؟
القائم بأعمال السفارة / نعم في الحقيقة، فقد كان هناك الكثير من الأمور التي تمنيت إنجازها خلال فترة عملي هنا خاصة في مجال الارتقاء بعلاقات التعاون بين البلدين، وفعلاً فقد كانت هناك الكثير من المشاريع، لكن وبسبب الظروف التي طرأت حالت دون أن نقوم بتنفيذها في جيبوتي، وسوف تكون الأولويات التي سينطلق منها زميلي الذي سيخلفني في تمثيل بلادي لدى جيبوتي الشقيقة في إطار السياسة الخارجية الليبية المرسومة مع إعطائه حق المشاركة في تحديد الأولويات المرتبطة بعدة عوامل وبكل تأكيد سيكون مجال الدفع بالجوانب المؤدية لخلق شراكة متواصلة ومتنامية بين البلدين وسيتم العمل إن شاء الله على المضي قدماً بعلاقات التعاون بين بلدينا الشقيقين إلى آفاق أوسع ومن القضايا التي طالما سعيت لتحقيقها وكانت على الدوام تحتل أولوية اهتماماتي هي موضوع اللجنة الوزارية المشتركة التي لم تعقد منذ العام 1981 ولدي قناعة بأن التحولات التي شهدتها ليبيا ستعطي دفعة قوية للعلاقات بين البلدين وسوف تعجل من التئام هذه اللجنة الوزارية المشتركة وتفعيلها.
وأما في مجال الاستثمار فإنني أتلقى الكثير من الطلبات والاستفسارات حول إمكانية الاستثمار في جيبوتي، ونحن نرد عليهم بأن أبواب الاستثمار مفتوحة في جيبوتي، ونتوقع أن يبدأ تدفق تلك الاستثمارات في القريب العاجل .. وكم كنت أتمنى أن أشهد شخصياً تلك البداية لكن وكما تعلم فليس كل ما يتمنى المرء يدركه، لكني متأكد بأن زميلي الذي سيخلفني سيعمل جهده في ذلك الاتجاه.
القرن/ تزامن عودتكم الى ارض الوطن مع التغيير والتحولات التي تشهده اليبيا فكيف تنظرون الى المستقبل في ظل هذه المعطيات؟
القائم بأعمال السفارة / أستطيع القول الآن أن بلادي اليوم ماضية نحو الاستقرار يوماً بعد يوم كما أن الأوضاع الأمنية في ليبيا الآن بدأت بالتعافي والتحسن مع كل يوم جديد ونحن ماضون اليوم نحو الاستقرار ونحو بناء دولة ديمقراطية حديثة. وبالفعل فإنه تصلني أخبار من المؤتمر الوطني الانتقالي في ليبيا بأنهم ماضون الآن في الاتجاه الذي سيفضي بنا للوصول إلى تحقيق الأهداف والمبادئ والمطالب التي قامت من أجلها ثورة الشعب الليبي.
كما أننا ماضون في بناء سياسة خارجية ليبية على المستوى العربي والإفريقي والدولي قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل .. بعيداً عن المزايدات والرهانات التي كانت تقوم عليها السياسات الخارجية للنظام البائد.
وعلى العموم فإن المتابع لمجريات الأحداث في ليبيا اليوم يرى تحسن الأوضاع الأمنية هناك كما يرى أن ليبيا ماضية يوماً بعد آخر نحو الاستقرار ونحو المستقبل المشرق إن شاء الله.
القرن/ونحن نصل معكم الى مرافي الختام لهذا الحوار ماذا تحبون أن تقولوا لجيبوتي وعن مسيرتكم المهنية فيها؟
السفير/أحب أن أقول لجيبوتي الشقيقة شعباً وأرضا . كل منا جزءً من الأخر وان القواسم المشتركة والمصالح المستقبلية تؤكد أننا بحاجة لاستمرار وتوطيد هذا الإخاء والتعاون وبصورة اكبر مستقبلاً لما فيه مصلحة الكل إنسانا وأرضا . لست أنا من يقوله بل التاريخ والجغرافيا والمصالح الإستراتيجية طويلة المدى بين البلدين هو من ينطق بذلك بكل وضوح وهو ما كان لا يغيب عن عقلي أثناء أداء مهام الوظيفة التي افتخر بها في هذا البلد الآمن الساعي للمستقبل بجد ومصابرة وطموح
في الختام أحب أن أقول لكل العاملين في صحيفتكم الغراء لكم الشكر والتقدير على الجهد الكريم والسخي في الإسهام والتواصل دوماً مع الناطقين بلغة الضاد . لغة القرآن ولغة النبي العربي المرسل لكل الجنس البشري الذي تجمعه رابطة الإنسانية التي تتبلور بصورة ناصعة ومشرقة في جمهورية جيبوتي الشقيقة. وتسعدني الاشارة إلي أن هذا البلد العزيز لم يرتبط فقط بتمثيلي الدبلوماسي وإنما ارتبط أيضا بانتاجي الفكري والعلمي فقد شهدت فترة عملي بجيبوتي الكثير من التحديث والتطوير لكتابي (مكانة الموظف الدولي ودوره في حل المنازعات الدولية)
وقد تضمنت هذا التحديث الذي تم إجراءاه أثناء فترة عملي بجيبوتي ، إضافة مبحثين إلى الفصل الثاني من الكتاب يتعلق أحدهما بالنزاع الجيبوتي - الإريتري حول رأس دوميرا وجزيرة دوميرا ، والأخر متعلق بقضية الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو الجمهورية الصحراوية .
كما تضمن التحديث إضافة فصل ثالث للكتاب تحت عنوان المواقف الدولية والإقليمية من ثورات الربيع العربي ، حاولت أن أتلمس. من خلالها الأدوار التي يمكن للموظف الدولي القيام بها وتأثير هذه الموقف الدولية والإقليمية على مجريات الأحداث في الوطن العربي وتطبيق مبد أ استخدام الوسائل السلمية في حل المنازعات الدولية ، على أساس الوسائل السياسية والدبلوماسية من خلال أداء الموظف الدولي في النزاع العرقيي الكو.يتي والتسوية القضائية ، من خلال التحكيم وعرض النزاع على محكمة العدل الدولي في قضية جزحنيش بين إرتيريا واليمن وكذلك أسلوب الوساطة وهو ما تقوم به قطر حاليا من محاولة لإنهاء النزاع الجيبوتي الإريتري بموافقة من الدولتين المتنازعتين .وسيتم بأذن الله إصدار الطبعة الجديدة الثانية مع بداية عام 2013 عن طريق مكتبه مدبولي بجمهورية مصر العربية التي ستتولى بل تولت فعالاً اصدار الكتاب بعد إجراء التعديلات السالف ذكرها مع العلم بأن هذا الكتاب يدرس بالجامعات الليبية وبمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية والتعاون الدولي في ليبيا.
أجري الحوار
/جمال أحمد ديني