القرن/ بداية كيف تقيمون سعادة السفير العلاقات الثنائية الجيبوتية القطرية في المرحلة الراهنة وهل بالإمكان تقديم نبذة مختصرة عن المراحل التي مرت هذه العلاقات؟
السفير/ بداية أتقدم بجزيل الشكر والعرفان لصحيفة " القرن " إدارة وموظفين لإتاحتهم لي هذه الفرصة وإنني بالفعل أعتز دوما بانتمائي إليها وأتمنى لها مزيدا من التقدم والازدهار في مسيرتها المباركة لنقل الحقيقة بالكلمة، أما ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين جيبوتي وقطر فيمكنني القول بأن هنالك علاقات متميزة بين البلدين تضرب جذورها في عمق التاريخ، وهناك قواسم مشتركة عديدة بين الشعبين، وإن الزيارة الرسمية التي أجراها أمير دولة قطر الشيخ / حمد بن خليفة آل خليفة لجيبوتي في العام 2003 برفقة رئيس الوزراء وزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني كانت هي الأولى لحاكم دولة خليجية إلى بلادنا كما أن رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله سبق وأن قام بعدة زيارات إلى الدوحة، وقد فتحت جيبوتي سفارتها في الدوحة منذ ثماني سنوات تقريبا كما تم افتتاح سفارة دولة قطر في جيبوتي في خطة أسست لمرحلة جديدة في العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين، لدفعها نحو أقاف أرحب وأوسع.
ومنذ تعييني سفيرا لجيبوتي لدى قطر بذلت مساع جمة من أجل تفعيل التعاون المشترك بين البلدين، ويبقى هدفنا الأول تعميق العلاقات الأخوية بين جيبوتي وقطر وتنويع مجالات التعاون الثنائي بينهما في المرحلة المقبلة.
القرن/ ذكرنا في مقدمة الحوار أن هنالك تنوعا في مجالات التعاون بين البلدين، هل لكم أن تجملوا لنا أهم هذه المجالات؟
السفير/ نعم منذ تعييني على رأس البعثة الدبلوماسية الجيبوتية في قطر تم التوقيع على سلسلة اتفاقيات تتعلق بالعديد من المجالات التي تهم البلدين، وتساهم في ذات الوقت في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر التعاون في قطاع الطاقة، وفي هذا الشأن قدم رئيس الجمهورية لأمير قطر على هامش مشاركته في أعمال قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي التي عقدت مؤخرا بالدوحة، مشروعا يتعلق بجهود بلادنا لاستغلال الطاقة المتجددة خصوصا طاقة الرياح، وقد أولى الشيخ/ حمد بن خليفة هذا المشروع اهتماما كبيرا ووجه الجهات القطرية المعنية ونعتقد أن كل الإجراءات الخاصة بهذا المشروع قد تم اتخاذها من الجانبين،ولم يبق سوى تنفيذه على أرض الواقع وهذا ما ننتظره في القريب العاجل.
ومن مجالات التعاون بين جيبوتي وقطر أيضا المجال التعليمي ونحن في جيبوتي نعطي هذا المجال قدرا كبيرا من الاهتمام وهو في صميم اهتمامات رئيس الجمهورية لذلك سعينا إلى إقامة شراكة تعليمية مع إخواننا في دولة قطر سواء في القطاع العام الذي نأمل أن يفتح المجال للطلاب الجيبوتيين الراغبين في مواصلة التعليم الجامعي من خلال المنح الدراسية أو في القطاع الخاص الذي تتوفر فيه العديد من التخصصات التي نحن في أمس الحاجة إليها اليوم، ويوجد في الدوحة العديد من الكليات العلمية التي تتبع جامعات عالمية عريقة أمريكية، وفرنسية وبريطانية، ونؤكد أننا لن ندخر أي جهد في سبيل توفير فرص تعليمية لأبنائنا في الجامعات القطرية التي أبدت هي الأخرى استعدادها للتعاون معنا في هذا السياق، خاصة بعد الزيارة الأخيرة لوزير التعليم العالي والبحث الدكتور/ نبيل محمد أحمد ولقائه بنظيره القطري .
والى جانب ما تطرقنا إليه هناك تعاون في مجال القضاء بين البلدين، وفي هذا الإطار كانت زيارة وزير العدل ومصلحة السجون المكلف بحقوق الإنسان السيد/ علي فارح عسووه إلى الدوحة في ابريل من العام المنصرم خطوة أخرى هامة تمت نحو توسيع آفاق التعاون بين جمهورية جيبوتي ودولة قطر.
وهناك جهود مستمرة لتفعيل التعاون في مجال العمالة أو الأيدي العاملة ونأمل أن تثمر هذه الجهود في قابل الأيام، وكنت دائما أتلقى منذ تعييني سفيرا في قطر توجيهات كريمة من قبل رئيس الجمهورية في هذا الصدد.
ومن المعلوم أن السوق القطرية مفتوحة للأيدي العاملة التي تتمتع بالكفاءات والمهارات اللازمة لذلك يتم استقدام كفاءات عالية من دول شرق آسيا تعمل بأجور أقل مما يطمح إليه الجيبوتيون نظرا لتفاوت المستوى المعيشي بين بلادنا وتلك الدول.
وأنتهز هذه الفرصة لدحض الشائعات المغرضة التي أراد بعض مرشحي ومؤيدي المعارضة الترويج لها خلال الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في شهر فبراير الماضي فيما يتعلق بعرض قدمته قطر لبلادنا بخصوص الأيدي العاملة، وأؤكد على أن هذه المسألة في صميم اهتمامات السلطات الجيبوتية، ونستطيع الإشارة هنا إلى أن توفير فرص العمل للشباب ظل على رأس أولويات الحكومة خلال العقد الأخير، لأن هذا الموضوع يشكل خيارا استراتيجيا للتنمية الاجتماعية .
وإجمالا أشير هنا إلى أن هناك تنوعا في مجالات التعاون بين البلدين وبهذا الصدد فإن أغلب الوزراء الجيبوتيين قد قاموا بزيارات عمل لقطر والتقوا بنظرائهم لتفعيل اتفاقيات التعاون الموقعة بين الطرفين، ونحن الآن ننتظر زيارات مماثلة من الجانب القطري.
القرن/ في ظل هذه الفترة التي تسعى بلادنا إلى تنويع مصادر الطاقة لديها من خلال استغلال المصادر المتوفرة من قبيل طاقة حرارة الأرض الجوفية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح وصل إلى جيبوتي مؤخرا فريق من الخبراء القطريين المتخصصين في مجال طاقة الرياح ما الذي تمخض عن هذه الزيارة ؟
السفير/ جاءت زيارة الوفد القطري المذكور إلى جيبوتي لدراسة المشرع السابق ذكره والمتعلق باستغلال طاقة الرياح في جيبوتي، ومن المقرر أن تستثمر دولة قطر في هذا المشروع الحيوي - الذي يأتي ضمن مساعي بلادنا لتنويع مصادر الطاقة- في القريب العاجل، وقد التقى الوفد المؤلف من خبراء فنيين بمسئولي مركز الدراسات والبحوث بجيبوتي CERD) )والذين كانوا قد أعدوا دراسة حول المشروع ، كما قام الوفد بزيارات ميدانية مكنته من معاينة مواقع المشروع، وقد قدم الوفد تقريرا مشجعا للجهات القطرية المعنية بتنفيذ المشروع .
القرن/ سعادة السفير لم نعد نسمع الكثير عن الوساطة القطرية للنزاع الحدودي بين جيبوتي وأرتريا، ويتطلع القارئ الكريم إلى أن يتعرف على مستجدات هذا الملف وما تمخض عن المساعي القطرية لحلحلة الأزمة التي مضت عليها عدة سنوات ؟
السفير/ تقوم دولة قطر مشكورة منذ فترة بالوساطة في النزاع الحدودي بين جيبوتي وأرتريا في منطقة دوميرا منذ الثامن من يونيو عام 2010، اثر الاتفاقية التي وقعها رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله والرئيس الإريتري بهذا الخصوص، وقد حظيت هذه الوساطة منذ انطلاقتها بترحيب الأمم والمتحدة والجامعة العربية لذلك تفاعلنا معها وأبدينا التزامنا الكامل بهذه الوساطة، وقد أعلنّا مرارا عن رغبتنا في حل هذا النزاع عبر الطرق السلمية، وقدمنا كل ما طلبه الوسيط القطري بما في ذلك الأسرى الجيبوتيون في السجون الارترية والوثائق التي تثبت أن منطقة دوميرا جزء من التراب الوطني لا يمكن التنازل عنه بأي حال من الأحوال، لكن الطرف الآخر لا يزال ينتهج سياسة الإنكار والمراوغة حيث ينكر وجود أسرى جيبوتيين لديه، لكن ثبت للوسيط عكس ذلك خاصة حين تمكن اثنان من الأسرى الجيبوتيين من الفرار من سجون النظام الارتري والعودة إلى بلادهم - جيبوتي- مرورا بالسودان، ونعتقد أنه قد اتضح للوسيط من يتبع سياسة المماطلة تارة والتجاهل تارة أخرى ومن يرغب في تسوية هذه الأزمة بالطرق السلمية.لذلك نتوقع أن يقوم الوسيط بالإجراءات اللازمة تجاه هذه المسالة في القريب العاجل.
القرن/ تعتبر دولة قطر إحدى الدول الرائدة في قطاع الإعلام خصوصا في الإعلام المرئي وتعلمون أن الكوادر الصحفية بحاجة إلى الخبرة القطرية فهل لديكم مشاريع تنصب في هذا المجال لتوفير دورات تأهيلية لمنسوبي وسائل الإعلام المحلية في جيبوتي؟
السفير/ بالنسبة لي كرجل ينتمي إلى عالم الإعلام عموما والصحافة المكتوبة على وجه الخصوص (مدير النشر ورئيس تحرير جريدة القرن سابقا) كنت دائما أضع هذا الموضوع في صلب اهتماماتي، وبعد تعييني سفيرا لبلادنا في قطر أجريت اتصالات عديدة مع السلطات القطرية في مسعى لتوفير دورات تأهيلية لمنسوبي الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة باعتبارهم حجر الزاوية والرهان الذي يعول عليه في عملية التحول والنهوض بالرسالة الإعلامية ومواكبة معطيات التطورات الراهنة. وقد سبق لبعض الصحفيين الجيبوتيين في هيئة الإذاعة والتلفزيون الوطني أن تدربوا في مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير في الدوحة.
وإيمانا منا بأهمية تدريب وتأهيل الصحفيين والإعلاميين، من خلال تطوير علاقات الشراكة والتعاون مع المراكز والمؤسسات التدريبية الإقليمية والدولية والاستفادة من خبراتها في هذا المجال، سنسعى إلى إرساء شراكة فعالة مع الأشقاء في قطر ونأمل أن تكلل جهودنا بالنجاح إن شاء الله.
القرن/ مارستم الصحافة ( مهنة المتاعب) ما يزيد عن عقد من الزمن حتى صرتم احد أقطاب الإعلام في جيبوتي قبل انتقالكم إلى الحقل الدبلوماسي كسفير لجيبوتي لدى الدوحة فحدثونا عن تجربتكم في المجالين الإعلامي والدبلوماسي ؟
السفير/ بالفعل الصحافة هي "مهنة المتاعب" أو "مهنة البحث عن المتاعب" كما يحب البعض تسميتها لكنها في ذات الوقت هي مهنة يستمتع بها صاحبها ويعتز بها من ينخرط فيها كيف لا وهي السلطة الرابعة، نظرا للدور المؤثر لوسائل الإعلام ليس في تعميم المعرفة والتوعية والتنوير فحسب، بل في تشكيل الرأي، وتوجيه الرأي العام، والإفصاح عن المعلومات، وخلق القضايا، وأنا رغم أنني لا أرى أنني كنت من أقطاب الإعلام في جيبوتي لكنني كنت بالفعل من عشاق هذه المهنة لفترة غير قصيرة ومازلت كذلك.وقد ارتبط اسمي بهذه الصحيفة طويلا حتى سُمِيت بـ " مؤمن القرن " وأما ما يتعلق بالمجال الدبلوماسي فأجده لا يختلف كثيرا عن الصحافة من حيث المتاعب إذا نظرنا في بلد نشط في الحقل الدبلوماسي كما هو الحال في دولة قطر الشقيقة، لكنني استفدت كثيرا من تجربتي السابقة في مجال الإعلام فقد كان بمثابة مدرسة تعلمت منها الجد والمثابرة وتحمل المشاق والمضي قدما مهما كانت الصعوبات التي تعترض طريقي، وهذا كله ساعدني على الدخول في السلك الدبلوماسي دونما عقبات تذكر، وهذا من فضل الله علينا.
القرن/ كما تعلمون احتضنت العاصمة القطرية مؤخرا القمة العربية الـ24 فما تقييمكم لما صدر عنها من قرارات خاصة ما يتعلق ببلادنا؟
السفير/ انعقدت قمة الدوحة الأخيرة في ظل ظروف عربية وإقليمية حساسة وصعبة تتطلب من القادة العرب الوصول إلى رؤية مستنيرة تستلهم من حضارتنا وتاريخنا المشترك ما يعزز التضامن والتكاتف العربي وكان من بين القادة المشاركين رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله على رأس وفد رفيع، وقد ألقى الرئيس كلمة ضافية في هذه القمة تناول فيها المستجدات على الساحة الوطنية والعربية إلى جانب القضايا الإقليمية وفي مقدمتها الصومال إلى جانب الموضوعات الاقتصادية التي كانت معروضة على القمة.
وفي كلمته ركز فخامته على التطورات السياسية الأخيرة والتي تمثلت في الانتخابات التشريعية التي جرت في 22 من فبراير الماضي مع دخول نظام التمثيل النسبي لأول مرة حيز التنفيذ الأمر الذي أعطى الفرصة للمعارضة السياسية من المشاركة في العملية السياسية وتشكيلة مجلس النواب الجديد.
وفي الشأن العربي أكد رئيس الجمهورية في كلمته أن القضية الفلسطينية ستظل من أولويات السياسة الخارجية للدول العربية خاصة بعد حصول فلسطين على صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة داعيا الدول العربية إلى مضاعفة جهودها لتكتمل مسيرة الشعب الفلسطيني بالحصول على دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.وفيما يتعلق بالوضع في الصومال أطلع الرئيس القمة على التطورات السياسية والأمنية الايجابية فضلا عن التحديات التي تواجه الحكومة الصومالية في إعادة بناء مؤسسات الدولة وفي مقدمتها مؤسسة الجيش والشرطة. وأشار في هذا الصدد إلى أن جيبوتي تتولى تدريب الشرطة الصومالية وتقدم دعما فنيا في مجالات حيوية مختلفة. وقد صدرت عن القمة قرارات مهمة منها قرار يؤكد دعم القادة العرب حق جمهورية جيبوتي في ملف دوميرا. وأشادت القمة في ذات الوقت بالانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أظهرت مدى النضج السياسي للشعب الجيبوتي في هذه الانتخابات. وعلى هامش هذه القمة التقى رئيس الجمهورية بأمير دولة قطر وبحث معه سبل تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين إلى جانب القضايا الإقليمية والدولية الساخنة.
القرن / كيف تنظرون إلى آفاق التعاون الثنائي بين جيبوتي والدوحة؟
القرن/ في الحقيقة علينا أن ننظر دوما إلى الأمام ونثق بأن المستقبل سيكون أكثر إشراقا بإذن الله، ومن باب استشراف المستقبل فنحن نأمل أن تزداد العلاقات الجيبوتية القطرية قوة ومتانة في الفترة المقبلة. ونشير إلى أن هناك رغبة حقيقية لقيادتي البلدين في تطوير آليات العمل المشترك للوصول إلى هذا الهدف. وعلاوة على ذلك نسعى إلى إرساء شراكة فعالة بين دولة قطر ومنطقة القرن الإفريقي، ومما يرشح بلادنا للعب دور طليعي في هذا المجال، هو موقعها الجيواسترايجي وكونها دولة عربية وإفريقية، وحاضرة القرن الإفريقي، بوجود المقار الرئيسية لمنتدى مثقفي القرن الإفريقي ورابطة صحفيي القرن الإفريقي إلى جانب العديد من المنظمات الإقليمية ومن أبرزها الهيئة الحكومية للتنمية "الإيجاد". ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن لدولة قطر حضورا قويا على الصعيدين الإقليمي والدولي كما أنها معروفة بمبادراتها الناجحة في مجال تحقيق السلام والاستقرار، فضلا عن المجال التنموي الاقتصادي والسياسي، ومن شأن إرساء هذه الشراكة أن تمكن الجانبين من تبادل المنافع على الأصعدة كافة.

اجرى الحوار / محمد عبد الله