بمناسبة الاحتفال بالذكري السادسة والثلاثيين للاستقلال المجيد، أرادت القرن قلب صفحات التاريخ مع بعض ممن كان لهم دور في رسم المسار من أجل الحرية، حيث التقت بشخصيتين من الشخصيات التي تركت بصمتها في الكفاح من أجل الاستقلال وهما رئيس الوزراء الأسبق عبد الله محمد كامل والشيخ عبد الرحمن علمي، لتنقل إليكم جوانب من ذكريات أيام النضال، وذلك على النحو التالي:-
محطات بارزة في النضال
بعد إعادة انتخاب الجنرنال ديجول رئيسا لفرنسا لولاية ثانية أصدر دستورا جديداً وأعطى لمستعمراته التي كانت تحت احتلاله فرصة لتقرير المصير، وكغيرنا من مواطني هذه المستعمرات أصبحت الفرصة أمامنا متاحة لتقرير مصيرنا، بأن نختار بين نعم أو لا لفرنسا، وحينها بدأ الناس يدركون أهمية هذه اللحظة البارزة في تاريخ حركة التحرر الوطني التي يطول الحديث عنها، وازدادوا توقا إلى الحرية. وأجري الاستفتاء عام 1958، وزعمت السلطة الاستعمارية أن الغالبية صوتت لصالح فرنسا، وحدث ما حدث لمحمود حرب وحزبه والقصة معروفة، ونتيجة للتطورات التي حدثت رأت الحكومة الفرنسية أن الأمر يستدعي أن تبحث في كيفية استمرار وجودها في جيبوتي وإدارتها للبلد وتقاسم السلطة، وفي ضوء ذلك، أعطيت إدارة مصلحة الضرائب للجيبوتيين وكانت إيراداتها تستخدم في تسيير خدمات الوزارات مثل وزارة الصحة والتعليم وما شابه، وما عدا ذلك كان يديره الفرنسيون .
وفي عام 1960 أسست مجموعة من الشباب حزبا للمطالبة برفع سقف الإدارات والمؤسسات والجهات التي يديرها الجيبوتيون، وتمكينهم من الانخراط بشكل أكبر في إدارة شؤون البلد والمشاركة في حكمها، وفتح الباب أمام اعتماد الجيبوتيين على أنفسهم على مراحل، تمهيدا للاستقلال، لكن الحكومة الفرنسية رفضت هذا الطلب، وقامت بمطاردة المجموعة التي تقدمت به وحبس أعضائها، علما أن الحكومة الفرنسية كانت متمسكة بعلى عارف وكانت ترفض أن يكون رئيس الوزراء شخصا آخر غيره. وفي عام 1966 قرر الجنرال ديجول أن يزور جيبوتي في طريقه إلى إثيوبيا وكمبوديا، وكان الناس وقتها في حالة من الغليان والغضب بكل أطيافهم، وكنت أنا ضمن الفريق الذي كان يقوده موسى أحمد ادريس الذي كان حينها ممثلا للشعب الجيبوتي في البرلمان الفرنسي، وكان في الحقيقة رجلا قياديا ذا شخصية قوية، وبما أنه كان عضوا في البرلمان الفرنسي فإنه كان يتمتع بالحصانة بموجب القانون الفرنسي، وبالتالي فإنه لم يكن هنالك مجال لحبسه مهما طالب بحقوق الجيبوتيين، إلا إذا ارتكب جريمة قتل على سبيل المثال، وفي معمعة حالة الثوران التي ذكرتها آنفا تقرر عقد اجتماعين أحدهما في الحي الرابع، والآخر في حي الاستاد، وكنت ضمن الفريق الذي اجتمع في حي الاستاد برئاسة السيد/ موسى أحمد، واتفقنا جميعاً على أن نعبر عن غضبنا ورفضنا للاستعمار الفرنسي وأن نرفع لافتات تدعو إلى الحرية والاستقلال، وتؤكد على حقنا في تقرير مصيرنا. وقد نقلت إلى المجتمعين خبرا أبلغني به رجل فرنسي مفاده أنه يوجد هنالك مشروع ينطوي على تحويل جيبوتي من كونها مستعمرة فرنسية، إلى أرض فرنسية، فازداد غضبهم وثارت ثائرتهم، واعتبرنا هذا الأمر عبودية لا يمكن أن نقبل بها مهما كان الثمن، وعندما وصل الجنرال ديجول استقبلته حشود غاضبة واستمرت المظاهرات يومين في الساحة الكائنة أمام الغرفة التجارية والبنوك. في اليوم الثاني حدثت مطاردة للمتظاهرين وقتل عدد منهم، كما قتل رجل من قوات الدرك الفرنسي، وفي سبتمبر من عام 1966 تم اعتقالنا وكان عدد المسجونين معي 12 شخصا وهم أحمد حسن ليبان المعروف بجُهاد، فوتاس، نعنع، حسين حسن أللمجن، إبراهيم أحمد جود، الشيخ أحمد علمي، شيخو، إدريس كنانو، عجه براله، ورجلين آخرين نسيت اسميهما، وقد تم حبسنا بحجة أننا أحرقنا مراكز قوات الدرك المطلة على شارع برهان، علماً بأن الأمن بالتحديد هو من قام بعملية الحرق، لكنهم لفقوا لنا هذه التهمة واتخذوها ذريعة لحبسنا، ومنعنا من الأنشطة الوطنية التي كنا نقوم بها. وفي ظل سخونة الأوضاع قرر ديجول إجراء استفتاء حول تقرير المصير في جيبوتي مرة أخرى وحدد يوم 19 مارس 1967 موعدا له، لكن السلطات الاستعمارية ادعت أن الأغلبية صوتت بنعم لفرنسا مما أدى إلى اندلاع مظاهرات عارمة، قتل خلالها عدد كبير من المتظاهرين، من بينهم عبد الرحمن عندولي الذي قُتل بوحشية، كما سُجن آخرون وهُجِروا، ووضع الاستعمار أسلاكا شائكة على الحدود، وحول مدينة جيبوتي، وفي ساحة بودرييل التي اعتاد المستعمر على أن يجمع فيها عددا كبيراً من المواطنين الجيبوتيين في عز الشمس خلال المظاهرات.
- في عام 1976 اختطفت جبهة تحرير ساحل الصومال الفرنسي – وهي جبهة أسسها السيد/ محمود حرب – حافلة تقل أطفالا فرنسيين وأخذتهم كرهائن، ولإطلاق سراح هؤلاء الأطفال وقتل المخطوفين أرسلت الحكومة الفرنسية قناصين، وقد تسبب ذلك في مصرع عدد كبير من أفراد الجبهة ومنهم جاشامالي، وبعد ذلك بعام نال الشعب الجيبوتي حريته.
*ثمار الحرية والاستقلال
أولها وأهمها الأمن والاستقرار، أما الإنجازات فإن عجلتها مستمرة وينبغي أن نعلم أن الدول الغربية الغنية نفسها كالسويد، وسويسرا وبريطانيا وفرنسا لم تتمكن حتى الآن رغم ثرائها وتطورها الكبير من تلبية كافة احتياجات مواطنيها، ويقول الفرنسيون إن باريس لم تبن في يوم واحد، بل لا تزال تبنى كل يوم رغم مرور 2000 عام على إنشائها.
*المشاريع
هناك مشاريع واضحة للعيان تم إنجازها، ومشاريع أخرى قيد الانجاز، وهنالك أحياء جديدة وراقية بنيت في مدينة جيبوتي، وتوجد استثمارات هنا وهناك، وكما هو معلوم للجميع فإنه لا يمكن أن يتم استثمار في مجال معين وفي أي بلد كان إلا إذا توفر فيه الأمن، ولا نستطيع أن نحكم على شيء إلا بعد وضعه على الميزان والمقارنة بين سلبياته وإيجابياته.
وبصفتي موثق عقود فإنه يزورني في مكتبي مستثمرون من دول العالم، وكذلك من المواطنين الجيبوتيين وهذا يعني أن هناك حركة استثمارية، وهو أمر مرتبط بالأمن والاستقرار، ولو زرتم المنطقة الحرة سترون أنها تتوسع ويزداد نشاطها يوماً بعد يوم، وأهم شيء لتستمر الحياة هو الاعتدال في كل الأمور.