إن محاربة الاستعمار منهج وضعه من سبقونا من المناضلين الأحرار ونحن على دربهم سرنا .... وأستطيع القول بأن المستعمر لم يكن مرحباً به في يوم من الأيام من قبل الجيبوتيين كافة ... وأذكر أن (بيرنارد) حورب في منطقة جوبعد من قبل سكان المنطقة .. وكعادة المستعمر بمكره استطاع شراء بعض الذمم والأشخاص كمحاولة يائسة ليخلق الفرقة بين الأشقاء الجيبوتيين.
إن انطلاق المظاهرة في عام 1966 كانت نتيجة لوحدة الرؤية ولإحساس الجميع بأهمية نيل الحرية والاستقلال .. ومجيء الجنرال ديجول إلى جيبوتي كان بمشورة من معاونيه فقد كان في برنامجه أن يبدأ الزيارة بإثيوبيا وينهي بكمبوديا، إلا أن مستشاريه نصحوه بأن يزور جيبوتي أيضا باعتبارها مستعمرة فرنسية.

ـ اغتنمنا زيارة ديجول للتأكيد على حقنا في تقرير المصير
شكلت زيارة الجنرال ديجول إلى جيبوتي فرصة ثمينة لنا ورأينا أنه يجب اغتنامها للتأكيد على حقنا في تقرير مصيرنا.
وكان ديجول عندما قرر زيارة جيبوتي أرسل إلينا وزير مستعمراته ليتفقد الوضع والأجواء ولحسن الحظ فهمنا سر زيارة الوزير ووضعنا خطة تنطوي على الترحيب به بشكل رائع وودي للغاية لينقل عنا رسالة طمأنة إلى ديجول.
وصارت الأمور كما أردنا، حيث أبلغ الوزير الجنرال ديجول بأن الوضع في جيبوتي على ما يرام وأن الشعب الجيبوتي يؤيد الوجود الفرنسي.وقبل يومين من وصول الجنرال ديجول أتى السيد/ عبد الرحمن عندوله بمنشورات طبعها في عدن تندد بالمستعمر ونشرناها بين أفراد المجتمع الجيبوتي، وقبل يوم واحد من وصول ديجول عقدنا اجتماعاً في بيت إبراهيم حسن الكائن في الحي الرابع، وكان من بين الحاضرين موسى إدريس، حسين حسن ألَّلمجن، أحمد ديني، وآخرين.. وقررنا أن نعد اللافتات المناهضة ونعطيها للعمال العاديين ليخفوها ويظهروها في الوقت المناسب، وأن نلبس نحن البدلات الرسمية ونقنع ممثلينا في البرلمان بأن نحمل بدلاً منهم لافتات الترحيب بديجول ونجحت الخطة، حيث رفعنا في البدايات اللافتات المؤيدة لإيهام المستعمر بأن الأمور تسير على ما يرام، وما أن وصل الجنرال ديجول حتى ألقينا كل اللافتات المؤيدة ورفعنا اللافتات المناهضة له، وكان ذلك بمثابة صدمة ومفاجأة لم يتوقعها المستعمر وجعلت ديجول يندم على زيارته، وأذكر أنه قال في خطبته محاولاً تخفيف الصدمة على نفسه: إن مثل هذه الأحداث ليست جديدة علي ولقد شاهدت مثلها وأسوأ منها.

محاولة ديجول الخروج من الأزمة:
لقد خلقت تلك المظاهرات أزمة لديجول ... وفي خضم بحثه عن منفذ للخروج من الورطة التي وقع فيها قرر ديجول أن يجرى التصويت بنعم أو لا لفرنسا في 19 مارس من عام 1967، أما نحن فقد تم اعتقالنا بتهم مختلفة في 25 أكتوبر من عام 1966 وكان عددنا 14 شخصا والرفاق الذين سجنوا معي هم محمد حسين المعروف بـ (فوتاس)، محمد عبدى المعروف بـ (نعنع)، حسين حسن ألَّلمجن، الشيخ علمي نور حلديد، إبراهيم أحمد جود، عجه براله، أحمد جيسالي، محمود زكية، عبد الله كامل، محمد أحمد عيسى المعروف بـ (شيخو)، إدريس برهان، محمد عاشور، أحمد حسن ليبان المعروف بجُهاد، وبقينا في السجن فترات متفاوتة.
وأول من أطلق سراحه من المسجونين السيد/ عبد الله كامل باعتباره أكثرنا علماً فأراد المستعمر أن يفصله عنا فأطلق سبيله، إلا أن التواصل بيننا لم ينقطع، أما السيد/ جُهاد، ومحمود زكيه فقضيا في السجن 5 سنوات، بينما حكم على السيد/ نعنع مدى الحياة.
اندلاع موجة احتجاجات على خلفية تزوير نتيجة استفتاء مارس 1967
إن تزوير نتيجة التصويت لصالح المستعمر في الاستفتاء الذي تم إجراؤه في مارس من عام 1967 أدى إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات، وادعى المستعمر أن الذين أثاروا هذه الاحتجاجات ليسوا جيبوتيين، وسعى إلى إثارة الفتنة بين مكونات الشعب، كما قام باعتقالات تعسفية وتهجير الناس ووضع الأسلاك الشائكة في أماكن كثيرة وعلى الحدود. وأطاحت تلك الاحتجاجات برئيس الوزراء آنذاك السيد/ على عارف.
نضال العلماء
نضال العلماء كان جزء لا يتجزأ من النضال العام بل كان جزءاً مهماً جداً لمكانة العلماء والشيوخ في أوساط المجتمع الجيبوتي المسلم، وكان أشهر العلماء الذين استشهدوا في سبيل الوطن الشيخ عثمان، والشيخ عبد الله بودي وأذكر أن الشيخ عثمان كان إماما تميز بالبلاغة والفصاحة.وأذكر وأنا في ريعان شبابي كيف كان يأخذ بالألباب عندما يعتلى منبر مسجد عبد القادر الكائن في الحي الرابع في يوم الجمعة وكان أكثر الناس يرتادون هذا المسجد لوجوده في وسط البلد آنذاك وكغيري من الشباب كنت متابعاً لخطب الشيخ عثمان وكما هو معروف فإن الإمام كانت عثمان له مكانة عظيمة في المجتمع، وعندما يلقى كلمة في المناسبات كان الناس يصغون إليه بكل اهتمام، فداع صيته مما أزعج المستعمر وجعله يدبر له مؤامرة حيث تم اغتياله بطعنة سكين في ساحة محمود حرب من قبل عميل للاستعمار.أما الشيخ عبد الله بودي فكان يؤمن بالطريقة الصوفية وكان يجمع الأضاحي والقرابين من الناس ويقدمها للحزب وللمناضلين كدعم لهم، وعندما اكتشف المستعمر هذا الأمر حكم عليه بالسجن وظل فيه حتى مرض ولم يتلق أي علاج او رعاية إلي أن توفي بعد إطلاق سراحه نتيجة لما تعرض له. وعموما فإن دور العلماء كان مهما ويكفي أنهم كانوا يحافظون على الهوية الوطنية ويعملون من أجل لم شمل الجيبوتيين وتوحيد كلمتهم على النضال من أجل الوطن، ونضالهم كان مكملا للنضال السياسي والمسلح أما سلاحهم فكان كلمتهم المسموعة في أوساط المجتمع.
اعتراف فرنسا باستقلال جيبوتي
واصل الشيخ أحمد كلامه قائلاً: ـ واستمر الشعب الجيبوتي في رفضه للمستعمر ... ومن جانب آخر كان الصومال الشقيق يدعم القضية الجيبوتية وبعد نيل حريته انضم إلى منظمة الوحدة الأفريقية مما أتاح له فرصة إثارة قضية الشعب الجيبوتي وحقه في تقرير المصير في كل اجتماعات ومؤتمرات المنظمة ... ثم انضم إلى جامعة الدول العربية وظل يواصل نفس النهج ... واستمر الوضع على هذا الحال إلى أن قررت الحكومة الفرنسية منح جيبوتي الاستقلال.
حب الشيخ علمي للدين واللغة العربية جعله يجمع بين الثقافتين
الشيخ أحمد علمي تخرج عام 1960، وحصل على شهادة CAPبالفرنسية من معهد التعليم المهني مع دفعة متميزة صارت فيما بعد شخصيات بارزة في تاريخ جيبوتي، ومنهم محمد جامع عيلابي، آدن روبله، وإسماعيل إبراهيم ... توظف في 30 /6 / 1960 في مكتب المياه المعروف حاليا بمصلحة المياه ... واعتقل عام 1966م إثر المظاهرات الحاشدة والمناهضة للاستعمار التي اندلعت خلال زيارة الجنرال ديجول لجيبوتي ... وكان الشيخ أحمد علمي أحد الشخصيات التي خططت ونظمت وقادت هذه المظاهرات. وبعد خروجه من السجن عمل في مصلحة الضرائب وترقي فيها إلى أن تقاعد وهو مفتش، حبه للدين واللغة العربية جعله مرتبطا بالحلقات الدينية التي تعقد في المساجد، وكما يذكر الشيخ فإن الفضل في تعلمه للغة العربية يعود إلى النائب البرلماني عبد الرحمن حسن، وبعد حصوله على الشهادة الإعدادية باللغة العربية، قرر الاعتماد على نفسه لاستكمال مشواره التعليمي فاتجه إلى اقتناء الكتب والمراجع والمجلدات ليجول في بساتينها مقتطفا ثمارها وزهورها من هنا وهناك يقول الشيخ أحمد : ـ ما ساعدني كثيراً هو إجراء البحث في المسائل المختلفة والمواضيع المتنوعة وبهذا أستطيع القول بأنني صرت بعد الإعدادية أستاذ نفسيا وكما هو معروف فإن علم الإنسان ومعرفته توزن بقدر قراءته للكتب، لأن الإنسان ازداد كلما قرأ علماً ومعرفة، تحصيل العلم ليس له بداية ولا نهاية ولا عمر محدد وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث معناه (تعلموا العلم من المهد الى اللحد)، وقد أخذت علوم الفقه من الشيخ عمر عطاوي الذي كان يعقد حلقاته في مسجد سمرون، وقد كان هذا من ضمن العوامل التي ساعدتني في إعداد برامجي الدينية وحلقاتي التلفزيونية.