تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات المجتمعية التي يمكن أن تقيم علاقة شراكة مع المدرسة، حيث إن الآباء هم المسئولون بالدرجة الأولى عن أبنائهم ويعملون لصالحهم أولاً وأخيراً ، لذلك يقع على عاتق الآباء مسئولية لعب الدور المحوري و الأساسي مع المعلمين في عملية تعلم أبنائهم ، وعند تكامل العلاقة بين الأسرة والمدرسة سوياً بإخلاص وفاعلية وبتخطيط فان هذا التكامل والتواصل سيفضي بالنتيجة إلى تحقيق الأهداف المدرسية وبالتالي نجاح العملية التعليمة برمتها .
ان تفحص عملية التحصيل الدراسي بنظرة تحليلية ، وما يرتبط بها من عوامل عديدة تؤثر فيها بحيث تشكل أهمية كبيرة لدراسة الأسباب التي تقف خلف نجاح الطالب وبالتالي تعزيزها ووضع اليد على مكامن الخلل لمعالجتها , ذلك أن معرفة هذه العوامل وآثارها على التحصيل الدراسي يُمكن من معرفة ما يعوق تلك العملية، وبالتالي دراسة الطرائق والأساليب المناسبة لتفادي المعوقات والوصول بالتحصيل الدراسي إلى أقصى حد ممكن من الفائدة المرجوة منه . ولما كان من الطبيعي أن أي إصلاح تربوي يجب أن يبدأ بمحاولة رصد الواقع بانجازاته ونواحي قصوره ، كان يجب عليه أن يواكب التطور في التربية تطورا مماثلا في رفع الأداء الدراسي للوصول إلى مستوى عال من التحصيل العلمي للطلاب.
يقع في مقدمة تلك العوامل والمؤثرات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنجاح العملية التعليمية في المدرسة العلاقة بين الأسرة والمدرسة في تأثيرها على التفوق أو القصور الدراسي على اعتبار أنهما لا يظهران في عزلة عن تلك السياقات الاجتماعية والتربوية, والتي تسهم مجتمعة في بلورة وتشكيل المناخ التربوي العام المساعد لإفراز التفوق أو القصور الدراسي.
وعليه فان المدرسة منوط بها تفعيل تلك الشراكة بينها وبين والأسرة ورفع مستوى التواصل المثمر ؛ لأن تلك الشراكة وهذا التواصل يعد من ركائز نجاح المدرسة في إيصال رسالتها السامية وصولاً لتحسين الخدمات والمخرجات التعليمية وتحقيق أهداف المدرسة وتحسين نتائج الطلاب .
ولاستجلاء واقع تلك العلاقة بين الأسرة والمدرسة عملياً والكيفية التي يتم فيها التواصل بين محوري نقاشنا في هذا التحقيق كان لنا نزولاً ميدانياً لبعض المدارس في العاصمة نخلص من خلال هذا النزول إلى بسط الحقيقة بجميع زواياها وأبعادها آخذين بعين الاعتبار أن ثمة فراغات تكمن بين النظريات المراد تطبيقها في هذه العلاقة وبين واقع ميداني يزخر ببعض العقبات والصعوبات التي تقع على عاتق كل العناصر المشتركة في تشييد وارتقاء العملية التعليمية صوب المأمول .

المدرسة اليمنية نموذجاً

في سياق زياراتنا الميدانية لسير أغوار واقع العلاقة بين المدرسة والأسرة التقينا بإدارة المدرسة اليمنية وفي معرض جواب نائب مدير المدرسة السيد/ عبد الرقيب الدبعي عن الآلية التي تتبعها إدارة المدرسة في عملية التواصل مع ذوي الطلاب المنتسبين للمدرسة.
أجاب ؛ إن مدرستنا ليست استثناء عما درجت عليه إدارات المدارس الأخرى , فهي – أي المدرسة – منذ تأسيسها عمدت إلى إيجاد قنوات متعددة للتواصل مع أولياء أمور الطلاب من خلال التواصل الهاتفي أو إرسال طلبات الاستدعاء , بالإضافة إلى سجل العلامات الخاصة بالطالب الشهرية الذي يتم فيه وضع خانة خاصة بملاحظات ولي أمر هذا الطالب .
وأفاد الدبعي أنه من خلال تلك الوسائل مجتمعة أوجدت المدرسة جسوراً للتواصل ووضع أولياء أمور الطلاب في صورة واقع مستوى الطالب , والتي – كما أشار – قد آتت أكلها وأسهمت في دفع المستوى العلمي للطلاب المنتسبين للمدرسة .
ومن واقع الوضع الذي تعايشه جميع المدارس وتلك المشاكل التي تواجه المدرسة في تعاملها مع الطالب وعن الأسباب التي يتم على إثرها استدعاء المدرسة لولي أمر الطالب أوجز الدبعي دواعي الاستدعاء لأولياء الأمور تتمحور حول ثلاثة نقاط هي : تدني المستوى العلمي للطالب , والغياب المتكرر بدون إخطار مسبق بأسباب هذا الغياب من قبل أسرة الطالب , بالإضافة إلى تقصير الطالب في أداء واجباته المدرسية , والمشاكل الأخرى التي ترتبط بالتنشئة الأسرية .

مجلس الآباء حلقة لتكامل العِقد :

عمدت المدارس في سعيها لتوطيد علاقة التكامل بين الأسرة والمدرسة لإنشاء مجلس يتم تضمينه في هيكلية المدرسة إدارياً أطلق عليه مجلس الآباء , على أن يؤدي هذا المجلس عن كثب دوراً رقابياً على سير العملية التعليمية وإطلاع الآباء على ابرز ما يعوق تقدم سير التعليم على الوجه الأمثل ليكونوا – أي الآباء – شركاء في صناعة الحلول الممكنة لتفادي تلك المعوقات بالتكامل مع إدارة المدرسة .
الفكرة بحد ذاتها خلاقة وعملية كونها تعزز مفهوم الشراكة اللازمة لإنجاح عملية صياغة الأجيال على الوجه الأمثل لأن هذا التكامل من شأنه خلق فرص أكبر للنجاح وتقليص جوانب القصور والتي تلقي بأثرها على مخرجات التعليم .
ويستطرد عبد الرقيب الدبعي في معرض إفادته عن الدور الذي يقوم به مجلس الآباء في المدرسة بقوله ؛ إن المجلس يشكل العمود الفقري بالنسبة للمدرسة خلال إسهامه – والحالة هنا خاصة – في المدرسة منذ التأسيس من خلال الدعم المادي والمعنوي للمدرسة . لكن الدبعي يشير إلى أن هناك بعض القصور من أولياء أمور الطلبة من خلال تساهلهم في عملية التواصل , يعزو ذلك إلى عدم إدراكهم لأهمية هذا التواصل بالإضافة إلى تساهل بعض الأسر عن حضور اجتماعات مجلس الآباء , لأن هذا التساهل – والحديث للدبعي – يسهم في خلخلة صيرورة العملية التعليمية برمتها و يلقي بظلاله – بالنتيجة – على مخرجات المدرسة .

عينة نموذجية

في نطاق جولتنا الميدانية لمدارس العاصمة وقع لنا اختيار آخر على مدرسة الإرشاد الثانوية الكائنة في الحي الثالث, اختارت لنا مديرة المدرسة عينة من الطلاب فيما يبدو أنها كانت مثالية فقد جاءت ردودهم دبلوماسية نستعرضها على عجالة .
الطالب عبد الله حميد قمنه أشار أن زيارات أسرته للمدرسة لا تنقطع , والتي تُطلع من خلالها المدرسة ولي أمر الطالب على مستواه العلمي , ويستطرد عبد الله وهو الطالب في الثالث الثانوي العلمي أن زيارة ولي أمره إلى المدرسة تحفزه على بذل المزيد من الجهد لرفع مستواه التعليمي لأنه يشعره باهتمام كبير من والده الذي يريد له النجاح في حياته من خلال المدرسة , ويجيب عبد الله على تساؤلنا عن وجود ضغط يسببه له زيارة والده إلى المدرسة , أن لا وجود لأي ضغوط عليه تسببها زيارة والده إلى المدرسة يعزو ذلك إلى ثقته بأدائه في المدرسة ومستواه العلمي – كما يشير – يجعل منه مسئولاً إلى حد كبير عن نفسه من واقع المسئولية الذاتية التي تفرضها المرحلة العمرية التي هو فيها , ويستطرد عبد الله في حديثة عن أهميه التواصل بين المدرسة والأسرة قائلاً ؛ أن هذه العلاقة مهمة وذلك كونها تلبي حاجة بعض الطلاب وخصوصاً أصحاب المستويات المتدنية وذلك لاطلاع ذويهم على أوجه القصور التي تُشكل على الطالب لأجل إسهام الأسرة مع المدرسة لتلافي هذا القصور .
الطالبة ليلي موسى مؤمن تذكر أن هناك متابعة متواصلة بشكل كبير من قبل أسرتها ويطلعون بصورة دورية متقاربة على مستواها الدراسي , وترى ليلى أن لهذا التواصل فائدة كبيرة في تحسين مستوى الطالب وحضه على بذل الجهد لتحسين مستواه التعليمي في المدرسة , وترى ليلى على عكس زميلها في نفس المدرسة عبد الله , وهي الطالبة في الثالث الثانوي القسم الأدبي أنها في مرحلة عمرية ودراسية متقدمة بحيث لا توجد أهميه بالغة لزيارة أسرتها للمدرسة , وهي – بحسب وصفها – تعرف مصلحتها جيداً على عكس الطلاب في الفئات العمرية الصغيرة .
الطالبة هدن احمد علي طالبة في الصف الأول الثانوي ذكرت أن لوالديها زيارات كثيرة إلى المدرسة , يسألون مدرسيها من خلال هذه الزيارات عن مستواها التعليمي والدراسي, وعن سؤالنا عن الفترات المحددة لزيارة أسرتها للمدرسة ذكرت أن لأسرتها زيارات شهرية طوال الفترة التي تكون فيها منى في المدرسة , وذكرت أن زيارة والديها إلى مدرستها يعطيها انطباع جيد عن مدى حب واهتمام والديها بها .

التقنية في خدمة التواصل :

وفي إطار خدمة وتوطيد التواصل بين المدرسة والأسرة , أنشأت ثانوية جيبوتي العامة موقعاً الكترونياً على الشبكة العنكبوتية تتاح من خلال هذا الموقع الفرصة لأولياء أمور الطلبة المقيدين في الثانوية متابعة درجات أبنائهم ومستواهم الدراسي , وهي فكرة رائعة تسهل على أولياء أمور الطلبة عناء الذهاب للمدرسة, مثل هذه النماذج الناجحة يجدر تعميمها وسحبها على المدارس الحكومية الأخرى وحتى الأهلية والخاصة .
جزء من النص مفقود !!

ذكرنا بداية أن ثمة بون شاسع بين نظريات يراد لها التطبيق , وبين واقع الحال الذي نعايشه (بخصوص أهمية التواصل بين المدرسة والأسرة )
خلصنا من خلال نزولنا الميداني إلى المدارس ولقاءات خاطفة مع بعض أولياء الأمور والطلبة بالإضافة إلى القائمين على إدارات المدارس أن جميع من ذكروا آنفاً متفقون على أهمية التواصل بين المدرسة والأسرة والأثر الذي يؤديه هذا التواصل في أداء المدرسة لدورها على أكمل وجه وتحسين المستوى التربوي والتعليمي للطالب وارتفاع معدل النجاح وانخفاض معدلات القصور الدراسي ، ولكن توجد هنالك اختلافات في فهم طبيعة الأدوار التي تقوم بها المدرسة ممثلة في الإدارة المدرسية والجانب الأسري ممثلاً بمجلس الآباء وأسر الطلبة على وجه العموم ، ومهام كل منهم في خدمة هذا التواصل وإنجاحه ، وقصور فهم العلاقة بين المدرسة والأسرة والغاية من تلك العلاقة ، كما يوجد هنالك ضعف في عمليات التخطيط والإعداد لعمليات التواصل في المدارس وعدم استخدام التقنية الحديثة في عمليات التواصل بين المدرسة والأسرة .وإذا ما وضعنا في الحسبان أن ثمة معضلة تتعلق بمن يرتبط بهم أهمية هذا التواصل بالدرجة الأولى وهم الطلاب حيث أن العينة التي استقصينا من خلالها موضوع التحقيق هذا ( باستثناء العينة النموذجية التى أوردناها في الأعلى ) ؛ ثلاثة أرباع منهم لا يحبذون زيارات ذويهم إلى المدرسة بحجة أن تلك الزيارات تحشرهم في زاوية الرقابة اللصيقة لأولياء أمورهم بسير أدائهم في المدرسة وخوفهم من اطلاع أسرهم على قصورهم في أداء واجباتهم المدرسية المنوطة بهم .
أضف إلى ذلك تساهل الكثير من أولياء الأمور في متابعة أبناءهم بحجج انشغالهم بأعمالهم وسعيهم في سبيل أرزاقهم , ذلك ما لمسناه من خلال استطلاعات مستعجلة لبعض أولياء الأمور .

حلول ومسئوليات

يقال أن أهم مرتكز يقوم عليه إنتاج الحلول لمشكلة ما هو فهم المشكلة في حد ذاتها بكل محدداتها وجوانبها , سنعود للمدرسة مجدداً لنضع على عاتقها نزع العصا التي تعاوق سير عجلة العملية التعليمية , وردم الهوَة بينها وبين أسر الطلبة المنتسبين إليها , لأنها – أي المدرسة – معنية بدرجة أساسية وملحة بجودة ومخرجات التعليم .
هذه الحلول بالمناسبة ليست مضنية إلى حد كبير , كما لا تتطلب كثير جهد وعناء بقدر ما تتطلب استشعاراً لأهمية تعزيز دور الأسرة وشراكتها في التعليم لأن نجاح وتمتين هذه العلاقة سيضع نقطة في خانة نجاحات هذه المدرسة أو تلك . من تلك الحلول ؛ عقد دورات تدريبية للقائمين على عملية التواصل مع الأسر والمعلمين والمرشدين الطلابيين لزيادة مهاراتهم في عمليات الاتصال بين المدرسة والأسرة , لأن ذلك من شأنه تغيير قناعات بعض أولياء الأمور بأهمية التفاعل مع المدرسة . أيضاً ؛ تفعيل مشاركة أولياء الأمور في مجلس الآباء والمعلمين وفي اللجان المدرسية الأخرى , ولا بأس في تكريم أولياء الأمور المتفاعلين مع المدارس على مستوى المدرسة وعلى مستوى مكاتب التربية والتعليم وعلى مستوى إدارات التربية والتعليم وإبراز أهم مشاركاتهم في دعم أنشطة وبرامج المدرسة , لان ذلك يسهم في حث أولئك المكرمين على المداومة على التواصل مع المدرسة ويدفع بالآخرين إلى حذو نفس ذلك الحذو .كما يمكن للمدرسة إقامة أنشطة وبرامج مسائية تدعوا من خلالها أولياء الأمور للمشاركة فيها ، مما يتيح فرصة اكبر للتواصل البناء بين ولي الأمر وبين منسوبي المدرسة .
لا يشمل ما أسلفنا كل ما يمكن عمله في موضوع تعزيز التواصل بين المدرسة والأسرة وتخليق الحلول المتاحة والممكنة , بالتأكيد لدى إدارات المدارس الكثير من الحلول من واقع تجربتهم في الحقل التربوي .
على أمل أن يكون هذا الجهد لبِنة على حائط يستشرف المستقبل بكثير من الأمل في أن يغدو وطننا دوحة نظيره , وبناء شامخ تكون مخرجات المدرسة عناصر بناء لهذا الصرح .

تحقيق : مروان علي