العلاقات الجيبوتية السودانية ضاربة بجذورها في اعماق التاريخ وتشهد تقدما وتطورا مستمرا في كافة المجالات وعلي كافة المستويات وتسعي الدبلوماسية في البلدين جاهدة للنهوض بها أكثر وللوقوف علي الجهود المبذولة لتحقيق هذه التطلعات بما في ذلك اللجنة الوزارية المشتركة وما تحمله والاطلاع علي الجهود المبذولة لتجاوز ما تشهده الساحة السودانية من أحداث وقراءة المواقف تجاهها وبواعثها وما لدي السودان من استراتيجية للتصدي لدوافع بعضها التقينا سعادة السفير السوداني السيد/ حسين الأمين الفاضل وأجرين هذا الحوار:-
القرن / ما جديد علاقات البلدين الشقيقين التاريخية والمتميزة واستشرافكم لآفاقها المستقبلية ؟

السفير / أولاً أريد أن أشكر صحيفتكم على إتاحتها هذه الفرصة وعلى حرصها على متابعة مسألة العلاقة بين البلدين والاهتمام بهذا الملف، وكما تعلم .. فإن علاقة البلدين علاقة متينة وجذورها عميقة بحكم الترابط الثقافي والامتداد الجغرافي فضلاً عن روابط الأخوة والعلاقة الدبلوماسية بين جمهورية جيبوتي والسودان كذلك علاقة متميزة فالسودان من أوائل الدول التي افتتحت سفارة لها في جمهورية جيبوتي فالعلاقة إذن قديمة ومتينة وعلي الرغم مما حققناه خلال السنوات الماضية إلا أننا نطمح إلى المزيد من الارتقاء بهذه العلاقة والمضي بها قدما نحو أفاق أرحب ومنذ إبتعاثي كسفير لبلدي هنا أي منذ أقل من 10 أشهر سعيت جاهداً للمضي في هذا الاتجاه ــ وهناك ملفات تحتاج إلى الدفع ونحن ننتظر انعقاد اللجنة الوزارية المشتركة التي ستنعقد في شهر ديسمبر المقبل والتي ستناقش سبل الدفع بهذه الملفات ولدينا نحو عشرين مذكرة تفاهم واتفاقية وبرنامج تنفيذي تغطي كافة مجالات التعاون التي يمكن أن تكون بين البلدين تحتاج إلى بعض التحريك .. ونحن نعول على تلك للجنة الوزارية في المضي بمجالات التعاون تلك وضخ الدماء في شريانها .. وخلال الفترة الماضية شهدنا تواصلاً بين القيادات في البلدين .. وشهدنا كما تعلم زيارة مساعد رئيس الجمهورية الدكتور / نافع على نافع في شهر مارس المنصرم .. وكما قام معالي وزير الخارجية ومعالي وزير الزراعة الجيبوتيين بزيارة إلى الخرطوم في شهر يونيو وهناك برامج للتعاون في مجالات الزراعة والصحة والتعليم .. وهناك مشاريع طموحة سترى النور بعد انعقاد تلك اللجنة .
المهم هناك إرادة ورؤية لدى قيادة البلدين نحو ذلك الاتجاه .. وكلنا نشهد حقيقة لفخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله مواقفه النبيلة والصادقة تجاه السودان في كل المحافل الإقليمية والدولية .. ودعمه للسودان قيادة وشعباً .. والسودان بدوره حريص من هذا المنطلق الأخوي للمضي قدماً بهذه العلاقة بين بلدين .

القرن /كيف تتابعون ما تشهده الساحة السودانية من حراك وتطورات ؟

السفير / لم يكن مفاجئاً ما يحدث في السودان هذه الأيام .. وقد يكون الأمر له جانبه الإيجابي .. فكما نعلم أنه في أ بلد ما حين تقوم الدولة برفع الدعم عن بعض السلع الاستهلاكية الرئيسية فإنه تحدث بعض المظاهرات الاحتجاجية الشعبية خاصة حين يكون الوضع الاقتصادي في ذلك البلد متردياً أصلاً والذي يحدث في السودان هذه الأيام هو ذات الشيء في وقت تشهد فيه دول كثيرة في هذا العالم أزمات اقتصادية وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .. وما قامت به الحكومة في السودان من رفع الدعم عن بعض السلع الاستهلاكية بغرض تصحيح الخلل الذي أصاب الموازنة العامة للدولة على إثر انفصال الجنوب قبل عامين والذي ظلت الدولة تقاوم احتمالات حدوث هزة كبيرة في الاقتصاد والموازنة باتخاذ هذه الحزمة من الإجراءات الاقتصادية التي وصفها فخامة الأخ الرئيس عمر البشير بعملية جراحية مؤلمة لكنها ضرورية .. وبالمناسبة فهذه هي الحزمة الثانية من تلك الإجراءات التي تمثلت برفع الدعم عن سلعة المحروقات .. وهو يعتبر الإجراء الأهم نظراً لما يشكله الدعم الحكومي على شتى السلع وخاصة المحروقات من عبء ثقيل على الموازنة العامة للدولة لكن وبإزاء هذه الإجراءات التقشفية قامت الدولة باتخاذ إجراءات أخرى موازية للتخفيف عن شرائح المواطنين الأكثر تضرراً بتلك السياسة التقشفية كرفع الأجور وقد صدر بالفعل من الجمعية العامة قرار بالأمس في ذلك الإطار تحت مسمى الهيكل الموحد للأجور بزيادة قد تصل إلى 30 % في بعض الشرائح و40 % في شرائح أخرى وكذلك 15 % في البعض الأخر وبأثر رجعي .. وبالإضافة إلى الدعم المباشر للأسر الفقيرة الموجود أصلاً عبر ديوان الزكاة فهناك دعم مباشر أخر مقدم من الدولة عبر وزارة الرعاية الاجتماعية لـ 500 ألف أسرة فقيرة يتم دفعها من ميزانية الدولة وليس من أموال الزكاة .. بالإضافة إلى بعض الإجراءات والمعالجات الأخرى في قطاع المواصلات .. كترحيل الطلبة بنصف الأجرة .. وقد عقد فخامة الرئيس البشير مؤتمراً صحفياً وضح فهي كل تلك الأمور قبل تطبيق حزمة الإجراءات التقشفية الأخيرة .
القرن / هل ثمة مبادرات قامت بها الحكومة لتبديد قلق المواطنين واستيعاب الحراك الشعبي ؟

السفير / بدأت الحكومة وخلال شهرين بعقد لقاءات مع الأحزاب والقوى السياسية كما أجرى السيد رئيس الجمهورية جملة مشاورات مع قيادات في المعا رضية تمثلت في سلسلة من اللقاءات التشاورية حول الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها السودان مؤخراً .. كما تم تنوير الشعب حول تلك المسألة .. وضرورة الإجراءات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة.. لكن هناك البعض ممن يحاول الاصطياد في الماء العكر باستغلال المظاهرات والاحتجاجات السلمية التي يقوم بها من لم تعجبه تلك الإجراءات وهو حق شرعي لهم لكن هناك من يحاول استغلال ذلك من أجل أغراض خاصة وهذه الجهات منها بعض القوى المتمردة المعلومة منها ما يمسى بالجبهة الشعبية وبعض الحركات المسلحة التي تستخدم السلاح وتقتل الأبرياء في كردفان والنيل الأزرق لها خلايا نائمة في الخرطوم تم استغلال بعض هذه الخلايا من خلال المظاهرات وتم حرق أكثر من 60 محطة وقود وتم حرق مقار حكومية وحرق عدد كبير من حافلات الترحيل والمواصلات العامة هل هذا يعتبر وسيلة ديمقراطية للاحتجاج , طبعاً لم يتم هذا بواسطة الموطنين الشرفاء بل بواسطة عناصر إجرامية مندسة , بل تم أطلاق النار على المتظاهرين من قبل عناصر إجرامية كل ذلك صب الزيت على النار لإشعال الشارع , ولكن نؤكد أن الأمور الان هدئت كثيراً لأن الشرطة والقوات المسلحة ظلت تراقب في الأيام الأولى تبينت من وجود مخربين في وسط المتظاهرين تصدت لهم , وتم اعتقال عدد منهم وتقديمهم للمحاكمة والان نشهد من حين لآخر بعض التظاهرات السلمية وهذه ظاهرة صحية لا شك . وقد تم القيام بالعديد من إجراءات اقتصادية لتحسين الأوضاع, وفي الجانب السياسي تمت لقاءات تنويرية وهناك منتديات اقتصادية وتنويرية لتنوير الشعب بأن هذه الإجراءات لمعالجة الأزمة الاقتصادية والوضع الاقتصادي وآثارها ستظهر لا حقاً , لكن بالطبع أثرت على حياة الناس اليومية في اللحظة , هناك لقاءات عقدت وتعقد وندوات وجلسات تنويرية مع قطاعات شعبية عريضة .

القرن / كيف تقرؤون المواقف الخارجية تجاه الأحداث في السودان بشكل والموقف الأمريكي علي وجه الخصوص ؟

السفير /ما يحدث في السودان هو في المقام الأول شأن داخلي سوداني (يجب أن نتفق على ذلك ) لان ما يحدث في اي دولة يعتبر شأن داخلي بها , لذلك لا يحق لأي دولة أي كانت أو أي جهة خارجية أن تتدخل في هذا الشأن , ولكن هناك بعض الجهات أو بعض الدول التي لديها مصالح في عدم استقرار السودان ولها عداء معروف ولها مواقف معروفة من السودان , على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل , واذكر من هنا حضرتني عبارة للسيد رئيس الجمهورية عندما عقد مؤتمر صحفي وتحدث بإسهاب وقال كلمة مشهورة وقوية جداً وهي « أن مشاكلنا كلها ستحل بين يوم وليلة إذا طبعنا علاقاتنا مع إسرائيل ..... « هذا واحد من أسباب العداء للسودان تقوده الولايات المتحدة , إذا فهذه المواقف ليست جديدة ولم تتم الان بصورة فجائية فهي معروفة جداً بخصوص الولايات المتحدة وغيرها , أنا قراءتي للمواقف الخارجية والمجتمع الدولي عموماً والمحيط الإقليمي مما يجري في السودان الان من هذه الإجراءات الاقتصادية وما تبعها أنها متوازنة انطلاقاً من كون هذا الأمر شأن داخلي إلا من أراد أ ينفخ في بوق خاص به فهذا شأنه .
ما يثير الاهتمام هنا – نأتي للشق الإعلامي – أن بعض القنوات صورت ما حدث في السودان وهي قنوات معروفة وضخمته على انه ربيع عربي هب في السودان وأن هناك ثورة عارمة وان وأن ... فما تم من شحن إعلامي كان أكبر بكثير مما يجري على الأرض وحتى اليوم نرى في هذه القنوات وكان الشوارع ملتهبة في السودان , هذه القنوات وهذه الوسائل الإعلامية نعرف تماماً من خلفها وما ترمي إليه , وإذا نظرت في المنطقة عموماً , فما يحدث في السودان ومصر وما يحدث في ليبيا وفي تونس و سوريا , فلو تابعت القنوات من مختلف لغاتها ومشاربها يتضح لك تماماً أن الإعلام اليوم في معظمة وجله هو إعلام موجه وليس موضوعي , هذه معلومة بديهيه , ففيما يخص ما يحدث في السودان أو مصر تجد أن هناك قنوات تمجد طرف وقنوات تمجد طرف آخر وهكذا لحاجة في نفس يعقوب . إذا فهذه المواقف لا تؤثر فهذا شأن داخلي يتم معالجته داخلياً والشعب يتفهم و السودان ظل عبر السنين مستهدف وتعود على هذه المواقف .

القرن / كثير من الأحداث والمواقف وفي مراحل مختلفة كشفت أن السودان مستهدف فلماذا هذا الاستهداف وهل للدولة من إستراتيجية للتصدي لهذا الاستهداف وإفشاله؟

السفير/ – كما تفضلت – فإن السودان مستهدف منذ فترة طويلة لسببين أساسيين السبب الأول أنه لا يمكن أن تسمح القوى المسيطرة على العالم بوجود دولة قوية في المنطقة ( أفريقيا والشرق الأوسط ) فالدول التي لديها عناصر القوة أو عناصر النهضة يتم تحجيمها أو ضربها بكل الوسائل السودان من هذه الدول , فالسودان كما تعرف قبل الانفصال كانت من أكبر دول إفريقيا مساحة , و غني بموارده الطبيعية بأراضيه الزراعية وبكوادره البشرية التي انتشرت في كل أنحاء العالم, دولة قوية بهذه المقومات لا بد من استهدافها , كما ضربت العراق , وكما ضربت دول كثيرة لها شأن تملك عناصر القوة يتم تحجيمها , , فالسودان بموارده وإمكانياته رفض التبعية انطلاقا من مواقفه المبدئية التي لم يتزحزح عنها كما تزحزح آخرون ولذلك تم استهدافه , فالحرب الأهلية في الجنوب مستمرة من قبل الاستقلال في عام 1955 , فالتمرد في الجنوب بدء من قبل الاستقلال 1 يناير 1956 والتمرد في الجنوب بدء من قبل الاستقلال واستمر أكثر من نصف قرن , ورغم ذلك ظلت الدولة قوية وتشهد تطوراً ؛ الضغوط التي حدثت بعد ذلك وإعلان حق تقرير المصير , فهذا حق لا ننكره , فإذا كانت وصلت الأمور إلى وجوب إعطاء الإخوة في الجنوب السوداني حق تقرير مصيرهم وهذا ما أقر في إعلان المبادئ كان من الطبيعي والبديهي أن تقبل كل الأطراف بما يؤول إليه الاستفتاء حول تقرير المصير وقد تم وكان السودان أول دولة تعترف بالدولة الوليدة, ولكن على مستوى الخطة الإستراتيجية هناك الحصار الاقتصادي على السودان قديماً , تم تدمير كامل لبعض مرافق كالسكك الحديدية وغيرها بالكامل بسبب هذا الحصار , لكن برغم ذلك السودان استطاع أن يطور موارده الذاتية لتعويض هذا الحصار الخانق , استخراج البترول السوداني تم في فترة وجيزة , وهنالك مشاريع ضخمة جداً في البني التحتية ومشاريع الاستثمار أسهمت في ان يستطيع الاقتصاد السوداني أن يصمد رغم هذا الحصار طيلة هذه السنين وهذا بسبب الاعتماد على الذات في المقام الأول والأشقاء في الدول العربية والأفريقية , فحينما رفع شعار ( نأكل مما نزرع ) اكتفى السودان من القمح في أقل من عامين , ولكن ظل الحصار والاستهداف وكلما أطفأنا ناراً أشعلوا غيرها , وإن شاء الله تمضي الأوضاع إلى الاستقرار بفضل عزيمة السودان وأهل السودان و على المستوى الداخلي أحب أن أطمئن الأشقاء في جيبوتي أن الجبهة الداخلية متماسكة وأن الحوار السياسي بين الحكومة والأحزاب السياسية قائم لم ينقطع , وليعلم الناس جميعاً وهذه حقيقة قد لا تكون معلومة لكثير من الناس أن الحكومة حالياً ليست حكومة حزب واحد ففيها عدد من الأحزاب التي كانت في المعارضة فهي حكومة موسعة , فتبقى شيمة أهل السودان أن الحوار والتسامح هو الأساس وهذا هو ما سيوصلنا إلى بر الأمان إن شاء الله .

أجري الحوار/
جمال أحمد ديني