تحت عنوان «جيبوتي منارة البحر الأحمر»، أجرت صحيفة النشرة التي تصدرها الغرفة التجارية العربية الفرنسية في باريس حوارا مطولا مع سفير جيبوتي في باريس السيد/ عايد مسعد يحيى، تناول فيه التطورات المتصلة بالخطية التنموية «رؤية جيبوتي ٢٠٣٥»، ومدى إسهام الإستثمارات في وضع اقتصاد البلاد على طريق النمو المستدام والشامل، والاستثمارات المكرسة لتحديث البنية التحتية، بالإضافة إلى أداء قطاعات الصيد البحري والسياحة والزراعة ومكافحة البطالة والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتعزيز دور القطاع الخاص في النمو والتنمية، فضلا عن العلاقات الجيبوتية الفرنسية وفرص العمل المتاحة في جيبوتي امام الشركات الفرنسية في هذا الفضاء المفتوح على أكثر من 400 مليون مستهلك، وفي يلي نقدم لكم فحوى حديث السفير خلال المقابلة مع الصحيفة.     

مقدمة الصحيفة     

من يمتلك البحر الأحمر يمتلك العالم، عبارة شهيرة أطلقها في القرن الماضي المؤرخ والسياسي الفرنسي غابريال هانوتو، وجيبوتي تعتبر اليوم منارة البحر الأحمر بشواطئها الممتدة على ٣١٤ كيلومترا. وتتحكم جيبوتي بإحدى الطرق البحرية الرئيسية في العالم حيث تعبر ٢٠ بالمئة من المبادلات البحرية العالمية. وقد أحسنت استغلال موقعها الاستراتيجي، فاستضافت على اراضيها قواعد عسكرية فرنسية وأميركية وسينية، ويابانية، الى جانب قوات من دول أخرى تعمل على محاربة القرصنة.   

وتعتبر جيبوتي مرحلة هامة من طريق الحرير، وبوابة الدخول إلى دول افريقيا الشرقية. وهي المنفذ البحري الوحيد لأثيوبيا، وتراهن جيبوتي أيضا على موقعها الجيواقتصادي الاستراتيجي من خلال تكثيف الاستثمارات من أجل تحديث البلاد وتزويدها بالبني التحتية الأكثر تطورا وتحويل اقتصادها بما يضعها على طريق النمو المستدام والشامل. وفي العام ٢٠١٥ أطلقت جيبوتي «رؤية ٢٠٣٥ «، التي تضمنت خطة تنموية طموحة تهدف إلى تأمين مستقبل أفضل لمواطنيها والتصدي لكل التحديات العصرية.   

وللحديث عن هذه الخطة والمراحل التي قطعتها «رؤية ٢٠٣٥» واستراتيجية جيبوتي المستقبلية، إلتقت النشرة سعادة سفير جيبوتي في فرنسا السيد/ عايد مسعد يحيي، وأجرت معه الحوار التالي:   

النشرة/ « من الجيد أن نعرف إلى أين نحن ذاهبون ولكن لا بد لنا أيضا ان نثبت اننا ذاهبون». هذا ما كتبه رئيس جيبوتي السيد/ إسماعيل عمر جيله عند تقديمه لخطة التنمية: «رؤية جيبوتي ٢٠٣٥». بعد مرور 10 سنوات تقريبا على اطلاق هذه الاستراتيجية، هل يمكن القول ان الاستثمارات التي تحققت في اطار هذه الرؤية قد وضعت اقتصاد البلاد على طريق النمو المستدام والشامل؟   

السفير /  قال فخامة الرئيس أيضا «علينا ان نعرف أولا من أين نأتي». فعند استقلالها كانت جيبوتي «صخرة عارية «، وخلال 15 عاما نجحنا في أن نجعل من هذه الصخرة العارية بلدا ذاع صيته خارج حدود جمهورية جيبوتي، والجواب عما تم انجازه في العشرين سنة الماضية بسيط، فمند وصول الرئيس إسماعيل عمر جيله إلى الرئاسة في عام 1999، تغير وجه جيبوتي، أولا على مستوى المدينة نفسها التي تغيرت كليا بأبنيتها ومساكنها، ومن ثم على مستوى البنى التحتية حيث قمنا بتطوير مرافئنا وبتنا نمتلك سبعة حتى الآن، كما قمنا بتحويل الخط القديم للسكك الحديدية الذي يربط جيبوتي بأديس فبات اليوم يتألف من خطين كهربائيين في نموذج هو الأول من نوعه في إفريقيا.   

واستجابة للطلب السكاني المتزايد توجهنا للاستفادة من مياه البحر، ونحن من الدول القليلة فيأافريقيا الصحراوية التي لجأت الى تحلية مياه البحر. وفي ما يتعلق بالطاقة كنا نعاني في 1999 من انقطاع التيار فأقمنا ربطا كهربائيا مع إثيوبيا، وبعدها قمنا ببناء مزرعة لطاقة الرياح في جوبيت، ونحن نعمل حاليا مع الصناعيين الفرنسيين لإنتاج الطاقة الشمسية، وسيتم بناء حقلين لهذه الغاية في شمال البلاد، واخيرا، نحن بصدد تطوير طاقة الجيوحرارية (طاقة الحرارة الأرضية)، وتأمل ان نبدأ الانتاج في السنوات القادمة، على غرار ما فعلت كينيا وإثيوبيا، وهذه أمثلة قليلة للتأكيد على أننا نسير في الطريق الصحيح.   

وحول السؤال بشأن التنمية الشاملة، أنت تعرف جيدا أن النمو يتطلب وقتا، وعند الاستقلال كانت جيبوتي ذات تعداد سكاني ما بين 450000 و500000 نسمة واليوم يفوق عدد سكانها المليون، في تلك المرحلة كانت لدينا ثانوية واحدة واليوم عندنا أكثر من 40 مدرسة ثانوية، كان للبلد بضعة أطباء وعددهم بات اليوم بالآلاف إلى جانب عدد مماثل من الجامعيين، وكل هذا لا يحصل مجانا بل هو ثمرة نمو وإعادة توزيع عادل للثروة، استجابة لتطلعات الجيبوتيين وتحديدا في قطاعات التعليم والصحة والإسكان، هذه ثمار النمو الذي كان يقارب سنويا 7٪ خلال السنوات العشر الماضية وهو اليوم بمعدل 3.5% بسبب الاختلالات التي شهدها العالم.   

النشرة/ في إطار «رؤية ٢٠٣٥» استثمرت جيبوتي كثيرا لتحديث البلد وتزويده بالبنى التحتية الأكثر تطورا، ولكن ماذا عن القطاعات التقليدية الأخرى مثل الصيد البحري والسياحة والزراعة؟    

السفير/ جيبوتي هي بلد سياحي، لكن هذا البلد الصغير يسعى إلى تطوير منشآته السياحية ضمن ضوابط احترام الطبيعة وحمايتها، في فئة الفنادق الفخمة كان لدينا فندق واحد هو فندق الشيراتون. أما اليوم فقد تعددت الفنادق الفخمة أمثال بالاص كمبنسكي والفنادق بثلاثة نجوم وقريبا ستفتح مجموعة - اكور- فندقين جديدين من الفئة نفسها، ولدينا أيضا عدد من الفنادق من الفئات الجيدة ونعمل على تطوير سياحة تحترم الطبيعة والبيئة، ونحن نرفض السياحة الجماهيرية.   

في مجال الزراعة، كان همنا الأكبر توفير المياه، والآن وجدنا الوسيلة لتلبية حاجتنا من المياه ونحن بصدد تطوير هذا القطاع، وكذلك لدينا زراعة خضروات تتحسن سنة بعد سنة وستكون قريبا قادرة على تلبية نحو 50% من الطلب المحلي.   

وفي ما يتعلق بالصيد البحري فان شواطئ جيبوتي ليست شاسعة وهي تمتد على 314 كيلومترا فقط، ونحن نفضل الحفاظ على الصيد البحري التقليدي وتطويره بدلا من اعتماد الصيد الصناعي لأننا حريصون على حماية أعماق البحر، ومن هذا المنطلق تمنح الحكومة المساعدات والضمانات للصيادين وخصوصا لشراء المراكب وتقدم دعما لأسعار المحروقات، وابتداء من شهر نوفمبر وحتى شهر مارس تكون شواطئ جيبوتي من بين الأماكن النادرة في العالم حيث يمكنك السباحة مع الحيتان، ونحن حريصون على تحصين هذا المكان، ولهذا السبب نشجع الصيد البحري التقليدي.   

النشرة/ كيف انعكست الاستثمارات التي تحققت في إطار استراتيجية «رؤية ٢٠٣٥»على مستوى البطالة في جيبوتي ؟       

السفير/ بالفعل، تشكل البطالة شوكة في خاصرتها، ونحن نسعى إلى حل هذه المشكلة والحد منها وتحديدا بطالة الشباب. نحن بلد قد اكتسب ردود فعل الادارة الفرنسية لجهة الميل إلى الوظائف الحكومية بدلا من التوجه نحو القطاع الخاص أو أخد المبادرة لخلق أعمال خاصة، ولمعالجة هذه الظاهرة اتخذنا عددا من الاصلاحات من أجل دفع الشباب نحو العمل التطوعي من خلال إنشاء صندوق ضمان الاستثمار.

 وتولي الحكومة اهتماما خاصا لمعالجة مسألة البطالة لكنها لا تستطيع لوحدها حل هذه المشكلة، ورغم ذلك تظل تبدي اهتماما بالقطاعات المختلفة التي تشهد تطورا وخصوصا في المناطق الحرة، وتحرص على توفير الدعم لها لتكون مصادر حقيقية لفرض العمل.  

النشرة/ رؤية ٢٠٣٥ تعتمد بشكل خاص على القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، ما هي الاجراءات التي وضعتها الحكومة لكي يساهم القطاع الخاص في النمو والتنمية ؟    

السفير/ في جبيوتي، كان لكل مجموعة اقتصادية كبرى، مثل شركة جيبوتي تليكوم، ومؤسسة كهرباء جيبوتي والمؤسسات الحكومية الأخرى، صندوق خاص يتيح لها الاستثمار لتنمية نشاطاتها وتحسين أدائها، أما اليوم فعندنا صندوق سيادي يجمع بين كل الأرباح، وهو يقوم بدعم إنشاء الشركات ويعمل على خلق فرص العمل، وكذلك لدينا قانون استثمار جذاب جدا، يمنح تسهيلات هامة المستثمرين الأجانب، خصوصا الاعفاءات من الضرائب والرسوم في السنوات الخمس الأولى إلى جانب تسهيلات أخرى، وكل هذا مكن الكثير من الشركات الأجنبية من جنسيات مختلفة، تركية، سعودية، وغيرها من العمل في جبيوتي.   

وبفضل هذه الديناميكية الجديدة بدأت بعض الشركات الفرنسية بالعودة إلى جيبوتي، ومن المؤسف ان الفرنسيين كانوا قد فقدوا طعم المغامرة، ولكن الأمور بدأت تتبدل منذ وصول الرئيس ماكرون إلى الرئاسة، ولكن علينا أن تكون واقعيين، فالدول الأوروبية تواجه اليوم، في كل أفريقيا منافسة من الشركات غير الأوروبية، وعليه يجب أن تتميز الشركات بالتنافسية وتتوقف عن التفكير بالحصة السوقية، بل التفكير باستثمارات رابح - رابح على المدي الطويل. ان سوق جيبوتي هو بوابة دخول إلى دول أخرى وتحديدا إثيوبيا.   

 والسودان وغيرهما، وفي السنوات الأولى قد تكون صعبة على الصناعيين والشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن من الممكن أن تظهر عوائد الاستثمارات بسرعة كبيرة.   

النشرة/ هل تعتقدون انه من واجب فرنسا ان تدفع شركاتها للاستثمار في جبيوتي، أم ان على جيبوتي أن تحفز الشركات على الاستثمار فيها؟   

السفير / في كل زياراته إلى فرنسا، يقوم رئيس البلاد بدعوة الشركات الفرنسية إلى العودة مجددا إلى جيبوتي، فبين فرنسا وجيبوتي تاريخ مشترك طويل، وهما يتشاركان اللغة ذاتها، والشركات الفرنسية هي دوما محل ترحيب في جيبوتي، ولكن من المؤسف انها فقدت روح المقامرة، وليس في الأمر حيلة. إن الشركات الايطالية والإماراتية والتركية وغيرها جاءت لتملأ الفراغ الذي تركته الشركات الفرنسية، فالبنك الفرنسي (بريد) هو المصرف الوحيد في جيبوتي وقد وجد هناك مكانا جيدا له.   

النشرة/ الصين تستثمر بكثافة في جيبوتي، وهي غالبا ما تحول جزءا من استثماراتها إلى قروض. واستنادا إلى صندوق النقد الدولي يتوقع أن تصل خدمة الدين في جيبوتي هذا العام الى 5 بالمئة من الناتج، ألا تعتقدون ان ذلك قد يؤثر على استقلال البلد ؟   

السفير/ هناك استثماران فقط استوجبا قروضا صينية : الأول يتعلق بإنتاج المياه والثاني ببناء خط سكة الحديد بين أديس ابابا وجيبوتي، خط سكة الحديد هو نشاط اقتصادي من شأنه أن يدر الأرباح وبالتالي فانه قادر بذاته على تسديد الاستثمارات التي أنفقت لبنائه. اما الاستثمار الآخر فهو أساسي لكونه يتعلق بمادة نادرة هي المياه. فمنذ استقلال جيبوتي وحتى اليوم كنا نكافح يوميا للحصول على الماء ويفضل الاستثمارات الصينية ذهبنا لنجلب الماء من أثيوبيا من أجل الماشية والزراعة والسكان. وأول تجميع لمياه الأمطار في جيبوتي تم تدشينه قبل 4 سنوات مع العلم ان الوجود الفرنسي في جيبوتي قد دام 150 عاما.   

النشرة/ إذا الاستثمارات الصينية في جيبوتي لا تؤثر على استقلال البلد؟   

السفير/ وهل تثير استثمارات بعض دول الخليج في فرنسا مخاوف فرنسا ؟! لا. ان القروض الصينية في بعض المشاريع في جيبوتي لا تشكل الأغلبية. وهذه القروض سيتم تسديدها، كما فعلنا عندما قمنا ببناء ميناء الحاويات مع أصدقائنا الاماراتيين. لقد سددنا القروض وبات الميناء ملكا لجيبوتي. هل تعرف بلدا واحدا قد نفذ خطط تنميته بدون قروض ؟! اول بلد مدين في العالم هو الولايات المتحدة الأميركية. ونحن نعرف بالضبط ما هو جيد لـجـيـبـوتـي ولا نفعل ابدا ما يمكنه ان يضر يوما بسيادتنا الوطنية. وهذه المخاوف التي تتردد هنا وهناك ليست في الواقع سوى ضغوط من أجل اعادة احتلال المكان الذي قد يصبح شاغرا بفعل ذلك.    

النشرة/ في مقابلة له مع مجلة (جون أفريك ) في نوفمبر عام ٢٠٢٠، دعا الرئيس عمر جيله فرنسا الى ان تعي «ان أهمية جيبوتي ليست فقط جيواستراتيجية بل هي ايضا جيواقتصادية «. ما هو تقويمكم للعلاقات الحالية بين فرنسا وجيبوتي؟    

السفير/ أي بـلـد فـي الـقـرن الافـريـقـي لـم يـعـرف الـحـروب؟ انـه جـيـبـوتـي. اذن، الجيواستراتيجية تلعب دورها جيدا. ووجود قوات مسلحة في جيبوتي يجعل البلد أكثر أمانا. لكن لا بد أيضا من النظر الى الموقع الجيواقتصادي لجيبوتي، وعلى فرنسا أن تتساءل عما اذا لم تفوت فرصا في جيبوتي فتصحح المسار، وبالفعل، إن الامور تطورت ايجابا مع الرئيس ماكرون، وخلال زيارته لجيبوتي تسني له ان يتحقق بنفسه ما آلت اليه - الصخرة العارية . . لقد قامت جـيـبـوتـي بإصلاحات لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية، وبخاصة المستثمرين الفرنسيين. والسفير الفرنسي في جيبوتي أنشأ مجموعة عمل لتشجيع المستثمرين الفرنسيين على الاستقرار فيها.  

لكننا نستمر في الاعتقاد أن عملية تحفيز الشركات الفرنسية يجب أن تبدأ في الواقع من فرنسا، وسفارتنا هنا في باريس تبذل كل طاقاتها في هذا الاتجاه وهي عضو نشط في الغرفة التجارية العربية الفرنسية التي تأخذ على عاتقها مهمة تطوير المبادلات بين فرنسا والدول العربية وتحديدا جيبوتي. وغالبا ما نعقد اجتماعات مع منظمة أرباب العمل الفرنسية ونستقبل وفودا من رجال الأعمال الجيبوتيين ونسعى دوما إلى الحفاظ على ديناميكية الأعمال.   

واليوم لدينا شعور بأن الشركات الفرنسية عادت تبدي مجددا اهتماما بجيبوتي ولكن ما زالت هناك خشية ان الشركات الفرنسية قد فقدت طعم المغامرة وهو أمر يؤسفنا. فنحن نتمنى أن تكون الاستثمارات الفرنسية في جيبوتي على مستوى تمنيات رئيسي البلدين، وندعو المستثمرين الفرنسيين الى استعادة موقعهم. إننا متفائلون لشعورنا بأن الأمور تسير الى الأمام. لدينا دراسة جديدة لبناء مطار جديد وسيتم تمويل المشروع بقرض من وزارة المال الفرنسية وهذا مثال يثبت بأن الأمور تتحرك ولكن لا بد من دفعها باستمرار لكي تتلاقي الإرادة السياسية مع الإرادة الاقتصادية.   

النشرة/ هل يمكن للغرفة التجارية العربية الفرنسية أن تلعب دورا هاما في اعادة تزخيم المبادلات بين فرنسا وجيبوتي؟   

السفير/ لقد سبق للغرفة التجارية العربية الفرنسية أن لعبت هذا الدور في الماضي. وقد قامت الغرفة بتنظيم إفطار عمل على شرف رئيس جيبوتي أثناء زيارته لفرنسا في عام ٢٠١٢. وكما ذكرت سابقا، فإن سفارتنا هي عضو نشط في الغرفة وأنا أشارك شخصيا في عدد من نشاطاتها وهناك تفاهم كامل وكلي بین سفارتنا والغرفة. وقد طلبت من صديقي الرئيس فانسان رينا الذي سبق أن استقبل رئيس غرفة جيبوتي التجارية أن يعيد إطلاق مبادرة لم تتحقق وقتها بسبب جائحة كوفيد19، من أجل مواكبة مجموعة من رؤساء الشركات الفرنسية إلى جيبوتي. إذن، نعم، نحن نعتقد أن الغرفة التجارية العربية الفرنسية قادرة على لعب هذا الدور الجامع لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة الراغبة في العمل في جيبوتي من أجل الوصول الى سوقها ومنه إلى السوق الاقليمي الذي يعد 400 مليون مستهلك. إنها الفرصة التي من خلالها يمكن للغرفة ان تلعب دورا هاما ونحن نشجعها للسير فيها. 

 وبفضل هذه الديناميكية الجديدة بدأت بعض الشركات الفرنسية بالعودة إلى جيبوتي، ومن المؤسف ان الفرنسيين كانوا قد فقدوا طعم المغامرة، ولكن الأمور بدأت تتبدل منذ وصول الرئيس ماكرون إلى الرئاسة، ولكن علينا أن تكون واقعيين، فالدول الأوروبية تواجه اليوم، في كل أفريقيا منافسة من الشركات غير الأوروبية، وعليه يجب أن تتميز الشركات بالتنافسية وتتوقف عن التفكير بالحصة السوقية، بل التفكير باستثمارات رابح - رابح على المدي الطويل. ان سوق جيبوتي هو بوابة دخول إلى دول أخرى وتحديدا إثيوبيا.   

والسودان وغيرهما، وفي السنوات الأولى قد تكون صعبة على الصناعيين والشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن من الممكن أن تظهر عوائد الاستثمارات بسرعة كبيرة.   

النشرة/ هل تعتقدون انه من واجب فرنسا ان تدفع شركاتها للاستثمار في جبيوتي، أم ان على جيبوتي أن تحفز الشركات على الاستثمار فيها؟      

السفير / في كل زياراته إلى فرنسا، يقوم رئيس البلاد بدعوة الشركات الفرنسية إلى العودة مجددا إلى جيبوتي، فبين فرنسا وجيبوتي تاريخ مشترك طويل، وهما يتشاركان اللغة ذاتها، والشركات الفرنسية هي دوما محل ترحيب في جيبوتي، ولكن من المؤسف انها فقدت روح المقامرة، وليس في الأمر حيلة. إن الشركات الايطالية والإماراتية والتركية وغيرها جاءت لتملأ الفراغ الذي تركته الشركات الفرنسية، فالبنك الفرنسي (بريد) هو المصرف الوحيد في جيبوتي وقد وجد هناك مكانا جيدا له.      

النشرة/ الصين تستثمر بكثافة في جيبوتي، وهي غالبا ما تحول جزءا من استثماراتها إلى قروض. واستنادا إلى صندوق النقد الدولي يتوقع أن تصل خدمة الدين في جيبوتي هذا العام الى 5 بالمئة من الناتج، ألا تعتقدون ان ذلك قد يؤثر على استقلال البلد ؟   

السفير/ هناك استثماران فقط استوجبا قروضا صينية : الأول يتعلق بإنتاج المياه والثاني ببناء خط سكة الحديد بين أديس ابابا وجيبوتي، خط سكة الحديد هو نشاط اقتصادي من شأنه أن يدر الأرباح وبالتالي فانه قادر بذاته على تسديد الاستثمارات التي أنفقت لبنائه. اما الاستثمار الآخر فهو أساسي لكونه يتعلق بمادة نادرة هي المياه. فمنذ استقلال جيبوتي وحتى اليوم كنا نكافح يوميا للحصول على الماء ويفضل الاستثمارات الصينية ذهبنا لنجلب الماء من أثيوبيا من أجل الماشية والزراعة والسكان. وأول تجميع لمياه الأمطار في جيبوتي تم تدشينه قبل 4 سنوات مع العلم ان الوجود الفرنسي في جيبوتي قد دام 150 عاما.   

النشرة/ إذا الاستثمارات الصينية في جيبوتي لا تؤثر على استقلال البلد؟     

السفير/ وهل تثير استثمارات بعض دول الخليج في فرنسا مخاوف فرنسا ؟! لا. ان القروض الصينية في بعض المشاريع في جيبوتي لا تشكل الأغلبية. وهذه القروض سيتم تسديدها، كما فعلنا عندما قمنا ببناء ميناء الحاويات مع أصدقائنا الاماراتيين. لقد سددنا القروض وبات الميناء ملكا لجيبوتي. هل تعرف بلدا واحدا قد نفذ خطط تنميته بدون قروض ؟! اول بلد مدين في العالم هو الولايات المتحدة الأميركية. ونحن نعرف بالضبط ما هو جيد لـجـيـبـوتـي ولا نفعل ابدا ما يمكنه ان يضر يوما بسيادتنا الوطنية. وهذه المخاوف التي تتردد هنا وهناك ليست في الواقع سوى ضغوط من أجل اعادة احتلال المكان الذي قد يصبح شاغرا بفعل ذلك.   

النشرة/ في مقابلة له مع مجلة (جون أفريك ) في نوفمبر عام ٢٠٢٠، دعا الرئيس عمر جيله فرنسا الى ان تعي «ان أهمية جيبوتي ليست فقط جيواستراتيجية بل هي ايضا جيواقتصادية «. ما هو تقويمكم للعلاقات الحالية بين فرنسا وجيبوتي؟   

  السفير/ أي بـلـد فـي الـقـرن الافـريـقـي لـم يـعـرف الـحـروب؟ انـه جـيـبـوتـي. اذن، الجيواستراتيجية تلعب دورها جيدا. ووجود قوات مسلحة في جيبوتي يجعل البلد أكثر أمانا. لكن لا بد أيضا من النظر الى الموقع الجيواقتصادي لجيبوتي، وعلى فرنسا أن تتساءل عما اذا لم تفوت فرصا في جيبوتي فتصحح المسار، وبالفعل، إن الامور تطورت ايجابا مع الرئيس ماكرون، وخلال زيارته لجيبوتي تسني له ان يتحقق بنفسه ما آلت اليه - الصخرة العارية . . لقد قامت جـيـبـوتـي بإصلاحات لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية، وبخاصة المستثمرين الفرنسيين. والسفير الفرنسي في جيبوتي أنشأ مجموعة عمل لتشجيع المستثمرين الفرنسيين على الاستقرار فيها.  

لكننا نستمر في الاعتقاد أن عملية تحفيز الشركات الفرنسية يجب أن تبدأ في الواقع من فرنسا، وسفارتنا هنا في باريس تبذل كل طاقاتها في هذا الاتجاه وهي عضو نشط في الغرفة التجارية العربية الفرنسية التي تأخذ على عاتقها مهمة تطوير المبادلات بين فرنسا والدول العربية وتحديدا جيبوتي. وغالبا ما نعقد اجتماعات مع منظمة أرباب العمل الفرنسية ونستقبل وفودا من رجال الأعمال الجيبوتيين ونسعى دوما إلى الحفاظ على ديناميكية الأعمال.   

واليوم لدينا شعور بأن الشركات الفرنسية عادت تبدي مجددا اهتماما بجيبوتي ولكن ما زالت هناك خشية ان الشركات الفرنسية قد فقدت طعم المغامرة وهو أمر يؤسفنا. فنحن نتمنى أن تكون الاستثمارات الفرنسية في جيبوتي على مستوى تمنيات رئيسي البلدين، وندعو المستثمرين الفرنسيين الى استعادة موقعهم. إننا متفائلون لشعورنا بأن الأمور تسير الى الأمام. لدينا دراسة جديدة لبناء مطار جديد وسيتم تمويل المشروع بقرض من وزارة المال الفرنسية وهذا مثال يثبت بأن الأمور تتحرك ولكن لا بد من دفعها باستمرار لكي تتلاقي الإرادة السياسية مع الإرادة الاقتصادية.      

النشرة/ هل يمكن للغرفة التجارية العربية الفرنسية أن تلعب دورا هاما في اعادة تزخيم المبادلات بين فرنسا وجيبوتي؟     

السفير/ لقد سبق للغرفة التجارية العربية الفرنسية أن لعبت هذا الدور في الماضي. وقد قامت الغرفة بتنظيم إفطار عمل على شرف رئيس جيبوتي أثناء زيارته لفرنسا في عام ٢٠١٢. وكما ذكرت سابقا، فإن سفارتنا هي عضو نشط في الغرفة وأنا أشارك شخصيا في عدد من نشاطاتها وهناك تفاهم كامل وكلي بین سفارتنا والغرفة. وقد طلبت من صديقي الرئيس فانسان رينا الذي سبق أن استقبل رئيس غرفة جيبوتي التجارية أن يعيد إطلاق مبادرة لم تتحقق وقتها بسبب جائحة كوفيد19، من أجل مواكبة مجموعة من رؤساء الشركات الفرنسية إلى جيبوتي. إذن، نعم، نحن نعتقد أن الغرفة التجارية العربية الفرنسية قادرة على لعب هذا الدور الجامع لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة الراغبة في العمل في جيبوتي من أجل الوصول الى سوقها ومنه إلى السوق الاقليمي الذي يعد 400 مليون مستهلك. إنها الفرصة التي من خلالها يمكن للغرفة ان تلعب دورا هاما ونحن نشجعها للسير فيها.