نعود بالذاكرة إلى الوراء ونعيش مع لمحات من تاريخ نضال الشعب الجيبوتي المرير وتضحياته الجسيمة مقدمين أرواحهم قرباناً على مذابح الحرية ليسطر لنا أولئك الآباء والأمهات الميامين الخالدين صفحات ناصعة مفعمة بكل معاني الإباء والصمود والتضحية وإنجاز التحرر والإنعتاق وها نحن اليوم في زخم احتفالاتنا بعيد أعيادنا الذكرى الثالثة والثلاثين للإستقلال نقلب هذه الصفحات مع واحدة من رواد الحركة النضالية الجيبوتية .
القرن / في البداية نود أن نسلط الضوء على أبرز مراحل عمرك ؟
المناضلة / ولدت في البادية وتوفي والدي وأنا لا أزال جنيناً في بطن أمي ، وعندما بلغت الثامنة من عمري قدمت مع أمي إلى المدينة وترعرعت في الحي السابع ولم ألتحق بأي مدرسة لأن الظروف لم تسمح لي بذلك، وعندما منح الاستعمار حق حرية القول لجيبوتي انضممت إلى الرابطة الشعبية من اجل الاستقلال فكنت رغم صغر سني ضمن الشباب المتحمسين المناهضين للاستعمار المتعطشين لنيل الحرية وكنا نقيم ندوات ومحاضرات لرفع وعي المجتمع للتجمع والتكاتف من أجل مناهضة ومقاومة الاستعمار ، وبينما نحن في إقامة تلك الندوات إذ داهمتنا في إحدى الأيام بعض من قوات المستعمر وسيطرت على كل منازل الحي السابع وأخرجت الأهالي إلى العراء ، وعندما رأيت هذا المنظر اعتراني شعور عارم بالغضب وقلت لنفسي لو كنا نمتلك أسلحة لما عاملنا هذا المستعمر بهذا الشكل ولما أهاننا ومرغ كر امتنا في التراب ، ومنذ ذلك اليوم ظل حلم الانضمام إلى الجبهة وحمل السلاح يراودني للدفاع عن الوطن ولحماية شرف وكرامة أهلي وظل هذا الحلم مسيطراً على تفكيري ، إلى أن قدم بعض شبان جبهة تحرير الساحل الصومالي من جمهورية الصومال إلى جيبوتي وأعلموني أنا وثلاث فتيات أخريات بحاجة الجبهة إلى عناصر نسائية يقمن بمساعدة إخوانهن في العمل النضالي ،ولم يساورني أي قلق ولم أتردد لحظة واحدة في الانضمام إليهم فقد كنت أنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر وبذلك كنت من أوائل النساء الجيبوتيات اللاتي سافرن إلى " هيمال " وهو مقر الجبهة في الصومال ،وهناك تلقيت أحسن التدريبات العسكرية على يد القوات المسلحة الصومالية تحقق حلمي بأن أحمل سلاحاً أدافع به عن وطني وكان ذلك في عام 1975وكنا خلال فترة تواجدنا في المعسكر نأتي كل يوم خميس لتحية العلم ولانشاد السلام الوطني وكنت أحلم أن أرى هذا العلم مرفرفاً على أرضه وبين أهله ، ومكثنا هناك إلى أن أقترب وقت نيل الاستقلال وكنت قائدة النساء المقاومات في الجبهة وبعد الاستقلال انضممت إلى القوات المسلحة وفي الفاتح من يوليو1977 منحت رتبة " كبرار شيف " كما أنني عملت كمصورة في القوات المسلحة بعد ان تدربت في جريدة الأمة في عام 1984 وفي الإذاعة 1986 م وكنت أول امرأة جيبوتية قادت دبابة وقذفت قذائفاً منها رغم أن قيادة الدبابة صعبة على النساء لكني تدربت على يد خبراء ليبيين فلم أجد أدنى صعوبة في ذلك ، وظللت أعمل في السلك العسكري حتى عام1995 م ، وأنا الان متقاعدة وأم لولدين وأعيش بسعادة تامة مع كل ما أراه من انجازات تتحقق في وطني كل يوم .
القرن /كيف كان دور المرة في العمل النضالي ؟
المناضلة / لا أنسج خيوطاً من الخيال ولا أكذب إذا قلت أن للمرأة الدور الأهم والأكبر في النضال وفي إجلاء الاستعمار ، فالمرأة الجيبوتية كانت المنادي الأول للمقاومة ومناهضة الاستعمار بعد أن ضاقت ذرعا به وكانت الصدر الحنون الذي احتضن الشباب المقاومين فكانت تخفيهم من أعين الاستعمار بين أسقف المنازل وكانت أكثر التجمعات من النساء والتاريخ يشهد بذلك ، وأذكر أن بعض النساء كن يطلبن الطلاق لأن أزواجهن لا يسمحون لهن بالانضمام إلى الحركات المناهضة للاستعمار وبإقامة المظاهرات إضافة إلى ذلك لم توجد نساء عميلات للمستعمر بينما وجد عملاء من الرجال لذلك نستطيع القول أن المرأة الجيبوتية شاركت أخاها الرجل في النضال وفي الاستقلال بكل ما أوتيت من قوة .
القرن / عندما خرجتم وانضممتم إلى الجبهة في الصومال كيف استقبلتم ؟
المناضلة/ الصوماليون إخواننا حيث أن بيننا قواسم مشتركة وكل ما كان يؤذينا كان يؤذيهم وكانوا متلهفين ومتشوقين لنيل الحرية واستقلال جيبوتي مثلنا ، لذلك عندما خرجت الجبهة إلى الصومال لاقت ترحيباً منقطع النظير واستقبلوا استقبالا العظماء الفاتحين ولا تخونني ذاكرتي ولن أنسى كرم ضيافتهم وكيف أن النسوة كن يزغردن لنا ويقرعن الطبول وينشدن الأناشيد الوطنية وكيف كانوا يقيمون لنا الولائم والعزائم ويذبحون لنا الذبائح ويستقبلوننا في منازلهم حكومة وشعباً .
القرن / بعد ثلاث وثلاثين عاماً من الاستقلال كيف ترين الوطن ؟
المناضلة / لا يسعني إلا أن أحمد الله تعالى على هذه النعم التي أنعمها علينا وأرى بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من الاستقلال أن الوطن شهد تطوراً وازدهارا عظيمة لا يستطيع أحد أن ينكره أو يتجاهله ، جيبوتي أصبحت اليوم مشهورة في العام وباتت قبلة للمستثمرين العرب والأجانب وخير دليل على ذلك هو هذا الافتتاح لهذا الكم الهائل من البنوك والمؤسسات والشركات التجارية والاستثمارية ، ولا يسعني إلا أن أدعوا من الله العلي القدير أن يحفظ هذا البلد وأهله .
القرن / كلمة أخيرة تودين قولها عبر هذا اللقاء؟
المناضلة / اسمحوا لي في البداية أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد / إسماعيل عمر جيله وإلى السيدة الأولى / خضرة محمد حيد وإلى الجنرال زكريا شيخ إبراهيم وكافة منتسبي السلك العسكري وإلى كافة أعضاء الحكومة وإلى كل فرد من المجتمع الجيبوتي ، وأشكر جريدتكم الموقرة التي أتاحت لي هذه الفرصة .
صفية عبد الله أحمد