باعتبار العلم و المعرفة أساسا للتنمية والنهضة المرجوة تحقيقها في الدول العربية ،أنشأت جامعة الدول العربية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لتولي اهتماما خاصا بهذا المجال إيمانا منها بأن الثروة البشرية ركيزة من ركائز التقدم والنهوض بالمجتمعات ، ولأهمية القضاء على الأمية بإشكالها المختلفة وضعت المنظمة برامج وخطط شاملة تساعد الدول العربية على تجاوز هذه العقبة التي تعرقل جهود التنمية ، كما تنظم المنظمة دورات تدريبية وورش عمل تكوينية لتأهيل متخصصين في المجالات التعليمية المختلفة ، وفي هذا الإطار تختتم المنظمة اليوم الخميس ورشة عمل تدريبية نظمتها في جيبوتي بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي ووزارة ترقية المرأة ورفاهية الأسرة والشؤون الاجتماعية ،واستهدفت هذه الورشة إيجاد مخططين لبرنامج محو الأمية في بلادنا .. وقد التقت القرن على هامشها بالمدير الأول بإدارة التربية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الأستاذ الدكتور/ يحيي عبد الوهاب الصايدي و طرحت عليه تساؤلات عدة حول المنظمة وعملها وورشتها الأخيرة في جيبوتي ، وفيما يلي نقدم فحوى حديثه :-
القرن / نود أن تعطينا نبذة مختصرة عن المنظمة ؟

الدكتور / إن المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة المعروفة اختصارا ب "ألكسو " هي إحدى المنظمات التابعة لجامعة الدول العربية ، وهي الهيئة المعنية بالتربية والثقافة والعلوم على مستوى الوطن العربي، وأنشأت قبل 40 سنة وتحديدا في عام 1970م وسنحتفل هذا العام بمرور أربعين عاما على إنشاء هذه المنظمة ، ومقرها الحالي في تونس، وتنقسم المنظمة إلى عدد من الأفرع أهمها إدارة التربية وإدارة العلوم وإدارة الثقافة والتراث ، وتتبع المنظمة ايضا إدارات نطلق عليها الدوائر غير الفنية منها إدارة المعلومات و الاتصال ، إدارة الشؤون المالية ، والمجلس التنفيذي والمؤتمر العام ،والإدارة العامة ، كما تتبع المنظمة عدد من المكاتب والمراكز الخارجية التي منها مركز الخرطوم لتعليم اللغة العربية ووظيفته الأساسية تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، ومركز تنسيق التعريب في الوطن العربي ومقره في الرباط وتتمثل وظيفته الأساسية في إنتاج المعاجم المتخصصة والقواميس كما يصدر مجلة لسان العرب وهي مجلة علمية ، كما يتبع المنظمة مركز الدراسات والبحوث بالقاهرة وهو مركز متخصص يمنح الماجستير والدكتوراه سواء في التاريخ أو الاقتصاد أو التربية أو الجغرافيا وهو مركز يضع الإستراتيجيات السياسية والدراسات التاريخية ، بالإضافة إلى ذلك هناك مركز التعريب والتأليف و النشر في دمشق ويعمل في مجال ترجمة كل الأدبيات في التعليم العالي والأدبيات الغربية والكتب والإصدارات الحديثة وكذا ترجمة إنتاج الفكر العربي إلى اللغات الأوروبية ، ولدينا مركز المخطوطات العربية ومقره القاهرة وتتمثل وظيفته الأساسية في الحفاظ على المخطوطات العربية وأرشفتها ومراعاتها .

القرن / ما هي المشاريع التي تتولاها إدارة التربية في المنظمة ؟

الدكتور / إن هذه الإدارة تتبعها ثلاثة قطاعات أساسية وهي : قطاع التعليم العالي ،وقطاع تعليم الكبار ،وقطاع التعليم ما قبل الجامعة ، ويضاف إليه ما يسمى ببرامج الروافد مثل حوار الثقافات ، وبرامج الأطفال ، وذوي الاحتياجات الخاصة ، وفي قطاع التعليمي بشكل عام أصدرت المنظمة مختلف الإستراتيجيات ومنها :الإستراتيجية المبكرة لرياض الأطفال ،الإستراتيجية العربية لتعليم الكبار ، الخطة العربية للتربية البدنية والمدرسية ، الإستراتيجية العربية لتطوير التعليم العام ، الإستراتيجية العربية لتطوير التعليم العالي ، الإستراتيجية العربية للتعليم عن بعد وخططها التنفيذية ، وأصدرت إدارة التربية بالمنظمة مئات المراجع والأدلة في كل الفروع التي تهم الشأن العربي ، كما تعقد دورات تدريبية وورش عمل في جميع الدول العربية ، كما تنظم مؤتمرا سنويا لوزراء التربية والتعليم ووزراء التعليم العالي، وفي الدورة القادمة يجمع المؤتمر الثالث للمسؤولين عن التعليم الفني والمهني في المنطقة العربية .

القرن / ما الجديد في ساحة الوطن العربي في مجال التعليم ؟

الدكتور / إن أحدث ما هو موجود في المنطقة العربية في وقتنا الحالي هي خطة تطوير التعليم في الوطن العربي ، و هي الخطة التي اعتمدتها قمة دمشق وتلتها ثلاث قمم لدراستها ، حيث بدأت فكرتها في قمة جزائر ،ثم قمة الخرطوم ،وتم عرضها على قمة الرياض التي طلبت عقد مؤتمر استثنائي لوزراء التربية لمناقشة هذه الخطة ، ثم قدمت إلى قمة دمشق 2008 وفيها تم اعتمادها، و بعدها عرض على القمة الاقتصادية و الاجتماعية التي عقدت في الكويت وتم اعتمادها ، إضافة إلى اعتماد مشروع النهوض باللغة العربية ، والمنظمة تسعي حاليا إلى تنفيذ هذه الخطة بالتعاون مع جميع الدول العربية .

القرن / كيف تصفون مشكلة الأمية في الوطن العربي بشكل عام ؟

الدكتور / تعتبر المنطقة العربية من أكثر المناطق ارتفاعا في نسبة الأمية في العالم ، وهذه القضية تمثل كارثة تنموية واجتماعية ودينية ، والأسباب كثيرة ، ففي عام 1976 أصدرنا إستراتيجية محو الأمية في الوطن العربي ، وكان عدد الأميين في ذلك الوقت 30 مليون وفي عام 2000 أصدرنا الإستراتيجية العربية لتعليم الكبار ، ومن خلال إحصائيات أجريت اكتشفنا أن عدد الأميين 70 مليون أي تضاعف العدد وانخفضت النسبة من 70% إلى 36% وفي هذه النقطة تواجهنا مشكلتان حقيقيتان ،أولها أن التعليم الأساسي لا يستوعب جميع الأطفال في سن التعليم ، أما ثانيها التسرب والرسوب في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي و هذا يعني وجود رصيد متجدد من الأميين في المنطقة العربية ، وهذه المشكلة تنقلني إلى جيبوتي حيث تشير الأرقام إلى أن الملتحقين بالمدارس يتراوح عددهم ما بين 80 و90 ألف وهذا يعني أهناك أطفال في سن التمدرس لم يلتحقوا بالمقاعد الدراسية ، وهذا يوضح أن جميع الأطفال في الدول العربية لم يلتحقوا بالتعليم ، وهؤلاء بعد مرور عدة سنوات سيصبحون رقما يضاف إلى رصيد الأمية ، وباعتبار عدد الإناث أكثر من الذكور في المنطقة العربية نجد أن نسبة الأمية مرتفعة بين النساء ، ولهذه المشكلة أسباب اجتماعية واقتصادية وأسباب أخري متنوعة ، والمنظمة العربية حريصة كل الحرص على محو أمية المرأة .

القرن / ما الأهمية التي تكمن في محو أمية المرأة ؟

الدكتور / الاهتمام بمحو أمية المرأة جاء على خلفية أنها أم تربي الأجيال ، ولا يمكن أن تنجب المرأة المتعلمة أطفالا أميين ، بعكس الرجل، ومن المعروف أن مشاغل الحياة وخصوصا في وقتنا الحالي جعلت أغلب الآباء يقضون أوقاتهم خارج البيت وبالتالي صارت الأم هي الوحيدة التي تتابع تعليم أطفالها ومتطلباتهم في هذا المجال ، ولهذا أصبح تعليم المرأة جزءا أساسيا من التنمية .

القرن / ماذا عن أهمية هذه الورشة ؟

الدكتور / إن هذه الدورة التي نظمتها المنظمة في مقر وزارة ترقية المرأة تحرص على تدريب مخططين يستطيعون قراءة الواقع ويضعون خطط علمية لمحو الأمية تتماشى مع البيئة وظروف الحياة ، والمشكلة في جيبوتي ليست هناك دائرة مختصة لتعليم الكبار ، وإنما قسم تنسيقي فقط لدى وزارة ترقية المرأة وبالتالي لا يستطيع هذا القسم التواصل بشكل مستمر مع المنظمات والدوائر في المنطقة العربية ومع الجهات المعنية بهذا الجانب لتستفيد من الخبرات المختلفة ، وهذه تعتبر من القضايا التي ستبحثها الإدارة مع المنظمة والجانب الجيبوتي ولابد من إيجاد هيكل معني يتولى وينسق بين الجهات المعنية ويكون لديه المعلومات والسجلات والخطط ،والمنظمة تركز على تدريب مدرسات وصانعي مناهج تعليم الكبار وتوفير مناهج تتماشى مع احتياجات الناس في جميع المجالات ، وهذه المناهج توحد الرؤية الاجتماعية وندعم برامج اللغة العربية والنهوض بها على مستوى جيبوتي .

القرن / خلال متابعتكم للورشة التدريبية التي عقدت للمرشدين والمفتشين والمسؤولين عن برنامج محو الأمية ماذا لمستم ؟

الدكتور / لمست عدم وجود الكفاءة النوعية المتخصصة في تعليم الكبار ، وذلك بسبب عدم وجود إدارة معنية بهذا المجال ، وكذلك عدم وجود إحصائية دقيقة توضح عدد الأميين في جيبوتي ، وتتطلب معالجة هذه السلبيات بتنظيم دورات عديدة و إيجاد الكوادر الإدارية والإشرافية على أقل تقدير لتكون هناك إدارة خاصة بهذا المجال تنسق مع جميع الأطراف، وتوفر برامج تساعد المتحررين من الأمية إلى عدم العودة إليها وتتولى إحصاء عددهم ، وتشرف على الحملات، والنقطة المهمة أن هناك توجه من قبل رئيس الدولة السيد / إسماعيل عمر جيله وحكومته إلى الاهتمام بقضية التعليم بمختلف أنواعه باعتباره أساس التنمية ومع ذلك تحتاج قضية التعليم إلى بذل مزيد من الجهود وتخريج دفعات من الكوادر متخصصة لتكتمل الحلقة .

القرن / ما هي الآليات المطلوب توفرها لضمان عدم عودة المتحررين إلى الأمية ؟

الدكتور/ بتوفير المهن والمهارات التي تتماشى مع ظروف واحتياجات المنطقة كل على حدا و بإيجاد مشاريع تساير البيئة التي يعيش فيها المتحرر ، وعقد دورات تدريبية في مجالات الحياة ، وبرامج تناسبهم و تشجعهم على الاستمرار في التعليم .

نبيهة عبدو فارح