استضافت جمهورية جيبوتي مؤخراً أعمال ورش عمل ودورات تأهيلية مقدمة من مؤسسات دولية لبعض أعضاء البرلمان والحكومة وذلك يندرج ضمن تفعيل أداء مؤسسات حكومة الصومال الانتقالية لتصبح قادرة على القيام بمهامها الدستورية وحول برامج عمل هذه الدورات والوضع الأمني في الصومال، أجرينا حواراً مع البروفيسور/ محمد عمر طلحة النائب الأول لرئيس البرلمان الصومالي الفدرالي الانتقالي على النحو التالي :-
القرن/ في أي إطار تأتي زيارة الوفد البرلماني الصومالي الذي تقودونه إلى جيبوتي وما هي طبيعة ورشة العمل التي نظمت لصالح أعضاء هذا الوفد؟ وكيف تقيمونها؟

نائب رئيس البرلمان/ تأتي زيارتنا هذه في إطار الجهود الدولية المستجيبة لمطالب الحكومة الصومالية الانتقالية لتعزيز قدرات وكفاءات أعضاء البرلمان الصومالي وإرساء دعائم العمل المؤسساتي ليصبح قادراً على الاستجابة لتطلعات الشعب الصومالي لإيجاد دولة صومالية ذات مؤسسات فاعلة وتندرج هذه الدورة ضمن برامج التأهيل والتدريب المقدمة من قبل مؤسسات دولية لأعضاء بعض البرلمان الصومالي والتي كان معظمها يتم تنظيمه في كينيا نظراً لانعدام الاستقرار في الصومال ثم وقع اختيارنا على أن تنظم هذه الدورات في جيبوتي لاعتبارات كثيرة على رأسها الروابط التي تجمعنا بأشقائنا الجيبوتيين والدعم الذي تحظى به حكومتنا من قبل جيبوتي حكومة وشعباً وكل هذه العوامل دفعت أعضاء البرلمان إلى اختيار عقد مثل هذه الدورات في جيبوتي. وتم تنشيط هذه الدورة من قبل منظمات دولية وبدعم من الاتحاد الأوروبي والوكالة الأمريكية للتنمية والإغاثة وبشراكة ومراقبة ومتابعة من قبل مؤسسات دولية وإقليمية عديدة من بينها مكتب برامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الإفريقي وممثلين عن كل من سفارات الولايات المتحدة الأمريكية والنرويج وهولندا وكينيا وجنوب إفريقيا وسفير جمهورية جيبوتي لدى الصومال السيد/ طيب دبد وممثل عن الجمعية الوطنية الجيبوتية ووكيل عن مبعوث الأمم المتحدة للصومال واستفاد من هذه الدورة التي استغرقت أعمالها خمسة أيام ونشطها خبراء متخصصين في مجال التشريعات والعمل البرلماني ثلاثون من أعضاء البرلمان الصومالي وأسهمت هذه الرعاية المتميزة والأجواء المثالية التي جرت فيها والاستعداد والاهتمام الذي كان يتمتع به المستفيدون من الدورة في النجاح الكبير الذي حققته الدورة.

القرن/ حصلت بعض المشاكل بينكم وبين كينيا التي كانت تنظم فيها مثل هذه الورشات وتضم أهم مقرات الهيئات الدولية والإقليمية والمؤسسات الدبلوماسية التي تهتم بالشأن الصومالي وتقدم له الدعم، فما الذي يمكن قراءته من انعقاد ورشة عمل هذه وغيرها للبرلمان الصومالي والحكومة الانتقالية في جيبوتي؟ وما هي رؤيتكم إزاء هذه المشاكل؟

نائب رئيس البرلمان / كانت العلاقات التي تربطنا بكينيا متينة وعميقة وتتميز بمراعاة حسن الجوار والاحترام المتبادل وكانت تحظى بتقديرنا لمساهماتها في إحلال السلام في الصومال وإيوائها لمخيمات كثيرة للاجئين وبالمقابل هناك تجار ومستثمرون صوماليون كثيرون في كينيا التي تحوي معظم المؤسسات والهيئات الدولية والإقليمية الداعمة للصومال وكانت مقر انعقاد الورشات والدورات التي تنظم لصالح أعضاء البرلمان والحكومة. ولكن أزعجتنا كثيراً حكومة وشعباً التصريحات التي أدلى بها وزير الهجرة الكيني والتي دعى فيها جميع الصوماليين في كينيا إلى تسليم أنفسهم إلى مفوضية اللاجئين لكي لا يواجهوا حملات القبض والاحتجاز التي نفذت بحق الصوماليين واعتبرنا ذلك انتهاكاً للحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها نواب البرلمان ونقدر صدور اعتذار عن ذلك من قبل وزير خارجية كينيا ولم نعتد على هذا التعامل من كينيا وفيما يخص بعقد هذه الورشات في جيبوتي، فإنني أرى أنها المكان المناسب ويشاركني في ذلك كثير من أعضاء البرلمان بسبب ما يجمعنا مع جيبوتي من عوامل مشتركة منها البيئة واللغة والدين والثقافة بالإضافة إلى استعداد حكومة وشعب جيبوتي بالوقوف إلى جانب قضايا الشعب الصومالي ومؤسساته القانونية وإحلال الأمن والاستقرار في الصومال وإن دعم حكومة جيبوتي للحكومة الصومالية تخطى الدعم الدبلوماسي إلى المساهمة في تعزيز قدرات الجيش الصومالي عبر تدريبه ليقوم بمسئولياته في حفظ الأمن ونحن نثمن ذلك ويسرنا بل ونفضل أن تعقد مثل هذه الدورات وغيرها في جيبوتي، حيث تتبعها انعقاد دورات ومؤتمرات أخرى في جيبوتي قريباً.

القرن/ كيف تنظرون إلى قضية انتهاء مدة صلاحية رئاسة البرلمان التي يثيرها بعض النواب ضدكم؟ وكيف تقيمون أداء البرلمان في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها الصومال؟ وفي ظل غياب كثير من أعضائه في الخارج؟

نائب رئيس البرلمان/ إن إثارة هذا الموضوع في هذا التوقيت ليس له ما يبرره قانونياً وتشريعياً وهو في نظري لا يخرج من سياق المناكفة السياسية النابعة من أغراض شخصية تحركها منافع ومصالح ذاتية لا علاقة لها بالصالح العام وما يدفعنا إلى هذا القول هو ما نعرفه من الخلفية القانونية التي يستند عليها الغالبية العظمى من أعضاء البرلمان حول هذه القضية وهو التمديد الذي حصل عليه البرلمان بالتوافق من قبل جميع المشاركين في اتفاقية جيبوتي التي أفرزت واقعاً برلمانياً جديداً ينص على إضافة أعضاء يمثلون التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال بقيادة شيخ شريف كما ينص على تمديد سنتين بالإضافة إلى ثمانية أشهر المتبقية من ولاية البرلمان السابق لهذا البرلمان المشكل الذي يحظى بدعم كافة الشركاء ويكتسب شرعيته من التوافق ودعم الشرعية الدولية وما يعزز قولي هذا هو ذلك السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه لماذا لم يطرح الطرف الذي يثير هذا الخلاف في حينه وأي في شهر أغسطس الماضي أي مصوغ منطقي أو قانوني يبرر انتهاء الولاية من رئاسة البرلمان دون باقي أعضاء المجلس وتحرص الحكومة على احتواء هذه المسالة وتجنب حدوث أي خلاف يؤدي إلى عرقلة المسيرة كما حدث للحكومات الانتقالية؟
وفيما يتعلق بأداء البرلمان فإنه يحاول وسط الأزمة الأمنية التي يمر بها الصومال أن يقوم بأداء مهامه ومسئولياته وهناك أعمال ملموسة يقوم بها البرلمان يدركها من يريد قول الحقيقة.
ولا يمكن أن نختزل أداء البرلمان بانعقاد الدورة العمومية له وإنما له لجان متخصصة كاللجنة الدائمة ورئاسة البرلمان ولجان الأمن والدفاع والمصالحة وكلها تؤدي واجباتها في الداخل وتحرص رئاسة البرلمان على عقد لقاءات وجلسات عمل مستمرة في مقر البرلمان وهناك جلسات أسبوعية في يوم الخميس تعقد لأعضاء مجلس البرلمان المصغر ومسئولي لجان البرلمان الــ28 حيث تناقش الأجندات المطروحة عليه ويعملون في أوضاع مأساوية تخلفها الحروب وقد تتسبب بقتل بعض أعضاء البرلمان بالإضافة إلى أوضاع اقتصادية صعبة وتعثر عقد الجمعية العمومية للبرلمان مرتين لعدم اكتمال النساب القانوني لغياب بعض أعضاءه في الخارج ومشاركة لجان منه في دورات تدريبية وأعلن رئيس البرلمان السيد/ آدم إبراهيم أكثر من مرة ضرورة حضور هؤلاء وسيعقد البرلمان دورته العمومية قريباً في بداية الشهر القادم ولنا حضور ومشاركات متميزة في اجتماعات البرلمانات الإقليمية والدولية ونساهم في حل بعض قضايا الصوماليين المقيمين في الخارج ويقوم نواب البرلمان بتشييد مجلس الشعب السابق بأنفسهم ليكون مقرهم الدائم.

القرن/ ما هو تفسيركم لاستمرار انعدام الأمن في الصومال وبروز صراعات جديدة تتسبب بحروب طاحنة وإفشال كافة الحلول السلمية الرامية لسيادة دولة القانون؟
وما هو تعليقكم على ظاهرة القرصنة التي تجتاح سواحل الصومال؟

نائب رئيس البرلمان/ يبدو أن الصومال قد وقع بالفعل في فخ استمرار دوامة العنف والحروب الأهلية وعدم الاستقرار وغياب السيادة الوطنية الذي وضعت له أطراف كثيرة لم يرق لها ما حققه الصومال من تقدم وانتصارات في أوج عصوره وجهت أنظار العالم إليه ولكي لا يصل الصومال إلى مستوى متقدم تم التخطيط لإضعافه وتمزيق وحدته فتشكلت جبهات مسلحة ليست لديها أجندات سياسية متفقة لدى تلك الجبهات غير إسقاط الحكومة وغرقت البلاد في الفوضى وانعدام النظام والأمن وموجات حروب داخلية استهدفت عوامل وحدة الشعب الصومالي الذي لا يوجد ما يفرقه فبرزت أيدلوجية القبلية لتحرك هذه الحروب التي أصبحت تدور بين العشيرة الواحدة وجاءت موجات حروب من حيث لم يحتسبه الشعب الذي ينتمي إلى دين واحد ومذهب واحد فوجد نفسه في أتون حروب دينية وهي جديدة على مفردات الصراع في الصومال تديرها الجماعات التي تبدأ أسماءها بــ ال وأعتقد أن الصراع الحالي ليس ديني ولا قبلي ولا سياسي ولا من أجل معارضة حكومة شيخ شريف أو غيره وإنما يستهدف إفشال أي حل يحل قضية الصومال ويعيد النظام والاستقرار، وإلا كيف تفسر مجابهة ومحاربة كافة حلول المصالحة والحكومات الانتقالية الصومالية بدءً بحكومة علي مهدي التي شكلت في جيبوتي بعد سقوط نظام زياد برى ومروراً بحكومتي عبد القاسم صلاد وعبد الله يوسف وانتهاءً بحكومة شيخ شريف الحالية ونحن نرى أن هناك خمسة أطراف تساهم في إفشال الحكومات الصومالية والحلول الهادفة إلى انهاء الصراع في الصومال وهي الطرف الأول: المجموعة المستفيدة مادياً من انعدام الأمن والفوضى المزمنة في الصومال منذ عقدين من الزمان وحازت على أموال وممتلكات وأراض زراعية ونهبت ثروات الشعب والوطن فهم لا يريدون سيادة القانون وتطبيق العدالة وفرض الأمن والنظام خوفاً على ممتلكاتهم.
الطرف الثاني: مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب الصومالي والذين يخشون مثولهم أمام محاكم جرائم الحروب يعملون على استمرار الفوضى وغياب القانون.
الطرف الثالث: تجار الحرب وزعماء الفصائل الذين كوّنوا ثروات طائلة من انتشار نفوذهم في كل منطقة وامتلاكهم مطارات وموانئ خاصة غير خاضعة للرقابة حيث يستوردون منها العملات الزائفة والأدوية والمواد الغذائية التي انتهت صلاحيتها ويصدرون فيها المعادن والمتاحف والأثريات والحيوانات البرية التي تواجه الانقراض وإلا كيف يوجد شاب صومالي يبلغ من العمر 25 عاماً يملك 25 مليون دولار.
الطرف الرابع: الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية ذات طابع مدني التي يزداد نشاطها أثناء اندلاع الحروب وانتشار المجاعات وحدوث الكوارث والمصائب فاستمرار الصراع في الصومال يخدم مصالحهم.
الطرف الخامس: القوى الأجنبية التي قامت بتقسيم الصومال ولا تريد له الاستقرار وعادت إليه بلباس الاستعمار الجديد وتنفذ أجنداتها لتمزيق الوحدة واندلاع الحروب الأهلية، وإن ما يحدث في الصومال هو جزء من إثارة الفتنة والحروب بين البلدان الإسلامية مثلما يحصل في اليمن وباكستان وأفغانستان والعراق والصومال وهناك دول قليلة لديها جهود ورغبة جادة لإعادة الاستقرار في الصومال كجمهورية جيبوتي التي لم تتخل عن دعم أشقائها في الصومال في أي مرحلة. ويؤسفني كثيراً ضعف دور الدول العربية والجامعة العربية لحل قضية الصومال سياسياً واقتصادياً، فعلى الرغم من وجود دول عربية تأوي اللاجئين الصوماليين كاليمن وأخرى تساعدنا بمنح دراسية لطلابنا كالسودان ومصر إلا أن الدور العربي إزاء مشكلة الصومال غير فعال ولا بمستواه المطلوب.
وإن ظاهرة القرصنة التي تنتشر في سواحل الصومال غريبة جداً حيث يصعب عليّ فهم مقدرة قراصنة صوماليين يتميزون بأجسام هزيلة ويرتدون لباساً متواضعاً على اختطاف سفن تجارية وناقلات بترول عمالقة ويحظون بالفدية التي يطلبونها دون أن تردعهم السفن الحربية والمروحيات العسكرية التي تحوم في المنطقة للحفاظ على أمن الممرات الدولية.

القرن/ محمد عمر طلحة بروفيسور وسياسي وفنان شهير له مسيرة فنية زاخرة فكيف قدرت أن تجمع بين الفن والعمل الأكاديمي والسياسي في آن واحد؟ وكيف تقيم رسالة الفن وأعمالك الفنية؟

نائب رئيس البرلمان/ بدأت اهتماماتي الفنية مبكراً عندما كنت طالب في المدرسة وأصبحت لديّ أغاني شهيرة وأنا طالب في جامعة الأمة الصومالية، حيث فزت بالمستوى الأول في مسابقات فنية نظمت في الجامعة.
وبعدها دخلت إلى عالم الفن من أوسع أبوابه وكان ذلك في فترة التسعينيات التي تزامنت مساندة الثورة في الصومال للفن، ويقف الفنان/ علي ديريه الملقب بـــعلي جاب وراء نجوميتي في الفن لأنه مؤلف معظم أغنياتي الشهيرة ومنها أغنية شنكرون shankaroon) )وأغنية برن Barni) )وأغنية (qaraw Gacayl) وهناك أغاني عربية كثيرة بعضها باللهجة السودانية وشاركت في مهرجانات مسرحية في العالم العربي بمسرحيات صومالية كثيرة ولم أتخل عن الفن في فترة تواجدي في السودان لنيل درجة الماجستير في علوم اللغات وبعد تعييني أستاذاً في جامعة الأمة وممارستي مهنة الصحافة في صحيفة نجمة أكتوبر وقلّت أعمالي الفنية بعد منتصف الثمانينيات ويحتاج المجتمع الصومالي إلى رسالة الفن التي ترسخ القيم الاجتماعية الأصيلة في الشعب الصومالي والتي تنأى العنف والاقتتال.

عبد السلام علي آدم