نتطلع للتعاون في مواجهة التحديات المشتركة وتحقيق التكامل
وبدأت الخطوات الاولى للحدث الاقليمي الابرز وتم الاعلان عن دولة جديدة في جنوب السودان وباتت كثير من المحاور تفرض نفسها ساعية بأن تجد إجابة مقنعة ومطمئنة تحمل في داخلها محوراً عريضاً هو (ماذا بعد انفصال الجنوب)
وبدورنا حملنا هذا السؤال واتجهنا به لسعادة سفير جمهورية السودان لدي جيبوتي الدكتور/حسن عيسى الطالب وأجرينا معه هذا الحوار:
القرن/ أعتقد أن القضية الأكثر أهمية في الوقت الحالي هي الادراك والفهم الواعي بأن الانفصال سوف تترتب عليه مجموعة من التحديات التي تقتضي أن يتم بحثها بقدر كبير من الدقة والتأني, حتي يمكن إستكشاف الحلول والمخارج المناسبة لها,فما هي رؤيتكم سعادة السفير لدولتي الشمال والجنوب بعد الإنفصال فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدين؟
السفير/ في البداية أحب أن أسجل عبر هذه المقابلة شكرنا وتقديرنا لصحيفتكم لما تبديه من اهتمام بهذا الحدث الإقليمي البارز والذي يعد جزءً من إنجاز الجهود الإقليمية لتحقيق السلام في المنطقة الذي يعد من أولويات السياسة الخارجية لجيبوتي الشقيقة التي تتأثر سلباً وإيجاباً بما يحدث في السودان.
أما فيما يتعلق بالتحديات فصحيح أن الانفصال لم يكن أمراً يسعى إليه كأولوية ولكنه كان خياراً دفعنا به ثمن للسلام واحتراماً لرغبة إخواننا في جنوب السودان والمطلوب الآن في اعتقادي هو السعي الدؤوب من أجل التغلب على كل التحديات التي يمكن تواجه كلاً من القطرين أو العلاقة بينهما التي ينبغي أن تقوم على الحوار البناء والتفاهم والعمل المشترك وتحقيق التكامل الذي يساعد الدولة الوليدة على التغلب على الكثير من التحديات التي تواجهها سواءً في مجال التعليم أو الصحة والبنى التحتية والتحدي الأكبر الذي ينبغي التغلب عليه هو بناء دولة قوية ديمقراطية منفتحة على العالم وجمهورية السودان أبدت استعدادها على لسان السيد/ رئيس الجمهورية الأخ عمر حسن البشير أكثر من مرة لدعم دولة جنوب السودان وتسخير كل إمكاناتها لمواجهة التحديات المشتركة في إطار إحداث التكامل على مستوى العلاقات البينية بين البلدين أو على المستوى الإقليمي الذي هو في أساسه مبنى على التكامل فالاتحاد الإفريقي والمنظمة الإقليمية الإيجاد مبنيان على روح التكامل فأي تشذر أو إنكماش أو تنكر بين الجيران في الإقليم سيجعل الدولة فريسة الهيمنة العابرة للقارات.
القرن/ من ضمن القضايا ذات الاهميه الخاصة ملف أبيي إلي جانب ضرورة الاتفاق علي أوضاع الجنوبيين القاطنين الآن في الشمال, بالاضافة إلي قضايا إخري تتعلق بديون السودان للخارج والاصول المملوكة للحكومة .. الخ. كل هذه القضايا تحتاج الي مفاوضات وتفاهمات مسبقة فكيف يمكن تجاوز هذه النقاط العالقة ؟
السفير/ في الحقيقة أنا أعتقد أن هذا سؤال مهم وتدفعنا الإجابة عليه إلى أن نعود سوياً لنتوقف على الاجتماع الذي جمع بين الرئيسين البشير وسلفاكير في إطار منظمة الإيجاد وقد تعهد الرئيسان بأن يتم معالجة ملف أبيي في إطار حدود عام 1956 وذلك من خلال المفاوضات بين الطرفين وصدر في الاجتماع بيان بهذا الخصوص وأعتقد أن المسألة الأهم فيما يتعلق بهذا الملف هو أن الطرفين تكونت لديهم قناعة بضرورة التوصل إلى حل عبر المفاوضات والابتعاد عن اللجوء إلى الحرب مرة أخرى وتجنب الوقوع في الأعمال الاستفزازية التي تجر التوترات وتحول دون نشوء علاقات طبيعية بما فيها الاستخدام السياسي لهذا الملف كما حدث في مرات سابقة مثل حصر استفتاء سكان أبيي في قبيلة الدينكا دون المسيرية وهذا أمر غير منطقي وغير عادل إذ أن هذا الحق ينبغي أن يعطي لجميع سكان أبيي دون استثناء وهذا هو ما تطالب به السودان وما يطالب به المجتمع الدولي.
أما فيما يتعلق بالديون لابد من الإشارة إلى اجتماعات الدورة الــ17 للاتحاد الإفريقي في ملابو والقمة الــ18 للإيجاد في أديس أبابا والبيان الذي صدر منها ناشداً فيه المجتمع الدولي - الأمم المتحدة - أمريكا أوروبا وشركاء الإيجاد باعفاء كامل للسودان عن الديون لأنها كانت ناجمة عن الحرب الذي تشترك فيه السودان وجنوب السودان الوليدة التي تعهدوا ببناء دولة قوية فييها ولا يمكن لهذه الدولة قوية إذا بقيت مكبلة بالديون ولأن السودان لا يتحمل الديون لوحده وكذلك الأمر بالنسبة لرفع اسم السودان من القائمة الأمريكية وهي قائمة وضعت فيها السودان لأسباب تعنيها ولكنها كانت تردد بأن أسباب العقوبات التي فرضتها على السودان تزول بزوال مشكلة الحرب في السودان وتطبيق اتفاقية نيفاشا للسلام، وبرؤية جنوب السودان دولة مستقلة والولايات المتحدة الأمريكية الآن تتحمل أخلاقياً وأدبياً رفع هذه العقوبات التي زال سببها وبخصوص موضوع الجنسية فهو محكوم باتفاقية نيفاشا التي تنص صراحة بأنه في حالة الاستفتاء فإن المشاركة في الاستفتاء يشمل إلى جانب سكان الجنوب الجغرافي من ولد بعلاقة الدم لأب أو أم من جنوب السودان حتى لو كان قاطنا في شمال السودان وهؤلاء الإخوة الجنوبيين صوتوا بنسبة 98% لصالح الانفصال والحكومة السودانية تحترم هذا الاختيار وحق انفصالهم بدولتهم المستقلة وليس لديها مشكلة مع هذا التنازل الطوعي عن جنسية السودان لصالح جنسية أخرى وهو حق شخصي يختاره الإنسان بمحض إرادته فالجنسية السودانية يحصل عليها الشخص بالميلاد ولا يمكن أن تسقط منه إلا في حالتي التنازل الطوعي أو التجسس لصالح الأعداء حسب الدستور السوداني ومع ذلك فهنالك خصوصيات متفق عليها في العلاقة بين البلدين، فيما يخص حرية التنقل والتحرك والإقامة سواءً في إطار العلاقات البنية بين الدولتين أو في إطار دول الإيجاد التي ستكون دولة جنوب السودان عضواً فيها وذلك في سياق الاتفاقية للتكامل الإقليمي وخطة إستراتيجية الأمن والسلم في منطقة الإيجاد ويمكن الارتقاء إلى زدواج الجنسية إذا صوت لصالحها الشعب السوداني عبر الاستفتاء وهذا بطبيعة الحال أمر لا يمكن أن يقرره إلا الشعب لا رئيس ولا حكومة ولكن الشيء الذي ينبغي التأكيد عليه هو أن العلاقة بين البلدين تستند على روابط لا تجمع السودان بأي بلد آخر تاريخياً واجتماعياً وثقافياً وجغرافياً وإنسانياً.
القرن/ وماذا تقولون عن آثار هذا المستجد علي مسألة النفط؟
السفير/ بالنسبة للبترول فإن نسبة ما ينتج منه في الشمال يصل إلى 27% من مجمل الإنتاج البالغ 500 ألف برميل يومياً و77% في الجنوب، وكان هناك اتفاق بأن ترفع نسبة شمال السودان إلى 50% لأن الأنابيب تمر عبر الشمال ونحن ندفع تكلفة هذه الأنابيب والمهندسين وعملية التسخين والمحطات أما إذا لم يوافق الإخوة في دولة جنوب السودان على هذه القسمة فعليهم الالتزام بدفع التكاليف وأما إذا لم يتم التوافق على هذا ولا ذلك فمن حقهم أن يوقفوا تصدير النفط عبر السودان ونحن سنكتفي بإنتاجنا الذي يكفي حاجة السودان ولا نحتاج إلى استيراد برميل واحد من الخارج، بالإضافة إلى ذلك توجد لدينا استكشافات تم التأكيد عليها في غرب السودان وفي الشرق ومنطقة الجزيرة إلى جانب موارد أخرى مثل الذهب الذي صدر منه 30 طن العام الماضي.
القرن/ ان خطاب الرئيس سلفاكير بعد ادائه القسم رئيسا لدولة جنوب السودان حافلا بجملة من المؤشرات والسياسات التي تعتبر جديدا في خطاب الحركة الشعبية فكيف تقرؤون هذا التحول؟
السفير/ في الحقيقة كان خطاب الرئيس سلفاكير بعد أدائه القسم رئيساً لدولة جنوب السودان حافلاً بجملة من المؤشرات السياسية تعتبر جديداً في خطاب الحركة وهذا بطبيعة الحال يعبر عن شعوره بالمسئولية كرئيس لدولة يختلف عن خطابه كرئيس لحركة عسكرية ليس عليه أي تبعات سياسية يلقى دعماً ومساندة من المجتمع الدولي ودعاية سياسية حيث كانت تلقى تبعات كل ما يجري في الجنوب على الشمال والآن وجد نفسه أمام مسئولية جسيمة ومسؤولاً عن كل هذا التاريخ ومطالب بتحسين السجل وأعتقد أن هذه مهمة عظيمة وتاريخية ولذلك حمل الخطاب عبارات تؤكد على ضرورة التعايش والتسامح وأن يصبح التنوع قوة والعمل على تحقيق حسن الجوار وتقديم المصالح والمنافع وحلحلة المشاكل بالعمل والتفاهم المشترك والسعي للتكامل وأشار إلى أن المسئولية أصبحت مسئولية دولة لها حضورها وتمثيلها في المجتمع الدولي ولا يمكن أن تكون دولة فاشلة أو مشاغبة، ونحن بدورنا في دولة السودان لا نتمنى أن نرى دولة فاشلة في جنوب السودان لأن فشلها يعني فشلاً لنا ولذلك تعهد الرئيس البشير ببذل كل الدعم الذي يحتاجه الإخوة في جنوب السودان.
القرن/ما الذي قدمه السودان من خلال هذه التجربة؟
السفير/ أعتقد أن أهم شيء قدمناه نحن كشعب سوداني من خلال هذه التجربة التي أسدلت الستار على عقود من الاقتتال والاحتراب والصراعات الدموية والمعاناة الإنسانية أن اتفاقية السلام الشامل هي أفضل وسيلة لإيقاف الحرب ومنع استمرار النزيف والتحدي الرئيسي الذي يبقى أمامنا هو مدى استطاعتنا على أن نحدث دولا متقدمة متحضرة ديمقراطية تحظى فيها حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية بالقدر المحتذى.
القرن/ هل ثمة تحديات تواجه السودان بعد الإنفصال ؟ وما هو الحل بتقديركم وكيف يتم تجاوز الأزمة من وجهة نظرك؟
السفير/ والله أنا في رئيي أن السودان الآن بعد تجاوز مشكلة الجنوب أمام تحدي آخر وهو تحدي التنمية فرغم الكثير من الإنجازات التي تم تحقيقها في مختلف المجالات على سبيل المثال لدينا حوالي 67 جامعة وأكثر من 300 مستشفى مرجعي ونكون قد حققنا بعد انفصال الجنوب نسبة تعليم عالية تصل إلى 80% فنحن بحاجة إلى تطوير مؤسساتنا السياسية والاقتصادية ويعتبر تحقيق الرفاه للشعب السوداني الذي عانى من ويلات حرب دامت نصف قرن تحدياً ينبغي أن نتغلب عليه وعلى المستوى الإقليمي نحن بحاجة إلى تعزيز علاقات التعاون والتكامل مع الدول المجاورة وهذه مسئولية تاريخية بالنسبة للسودان وتجاوز كل أشكال التوترات والاحتكاكات ونتطلع إلى أن يصبح السودان قبلة لحل مشاكل الآخرين بالحوار والتفاهم وبالتعاون المشترك ومن هذا المنطلق نرى أن السودان يحتاج إلى الجمهورية الثانية التي أعلن عنها السيد/ رئيس الجمهورية الأخ عمر حسن البشير والتي ستشهد تغيرات كثيرة على مستوى هيكل الحكم ليستوعب قطاع أوسع وعريض لا أقول على شكل حكومة وحدة وطنية وإنما بشكل حكومة تحفظ الوحدة الوطنية بتحقيق الكرامة الإنسانية والديمقراطية ومبدأ الشفافية والمحاسبة وتقوم بتحقيق النمو الاقتصادي بشكل يشعر فيه المواطن السوداني بأن حقوقه ردت إليه.
القرن/ ما هو تصوركم حول استحقاقات إعادة ترتيب البيت الشمالي بعد الإنفصال؟
السفير/ البيت الداخلي في السودان بالتأكيد يحتاج إلى ترتيب ولكن بصورة منظمة وليس بالانفعال والنكاية والكيد السياسي ولعل ما دار حولنا في مصر وفي تونس وفي دول أخرى أثبت بأن العلاقة بين القيادة والشعب على أحسن ما يرام.
ولو كان الشعب السوداني يكره قيادته ولو أن قيادته كانت مرتهنة تحرك من الخارج للفظها الشعب ولكنه تمسك بهذه القيادة لما لمسه منها من صدق التوجه ولأنها تمثل كرامة الإنسان السوداني بمواقفها الوطنية.
جمال أحمد ديني