النائب / كيف تقيمون الاستجابة العالمية للكارثة الإنسانية الحالية في الصومال؟
أشكر جريدة القرن على إتاحة هذه الفرصة لي، كما أشكر فخامة رئيس جمهورية جيبوتي الشقيقة الذي لا يألو جهدا في سبيل تخفيف معاناة الشعب الصومالي، وكان له مبادراته القيمة بدءا من مبادرة مؤتمر عرتا للمصالحة الصومالية والمبادرة الأخيرة عام 2009 التي انبثقت عنها الحكومة الانتقالية الحالية بقيادة فخامة الأخ الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وأثمن عاليا مبادرة الرئيس إسماعيل عمر جيله في زيارة الصومال يوم أمس الأول الثلاثاء، وكل هذا يدل على الأخوة والعلاقة الأزلية القائمة بين الشعبين الجيبوتي والصومالي.
وفي يتعلق بسؤالكم، فإن الاستجابة الإقليمية والدولية لا ترقى إلى حجم الكارثة، العالم كان يعرف هذه الكارثة منذ فترة طويلة، ولم تتم الاستجابة لها في حينها، ونحن مستغربون جدا أن العالم يأتي إلى الصومال بعد فوات الآن وخروج الأوضاع عن السيطرة ، ففي عام 1992 كان هناك تدخل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إعادة الأمل وتقديم المساعدات الإنسانية وحراسة قوافل الإغاثة وما شابه ذلك، ولم يكن هذا التحرك قد جاء إلا بعد تفاقم الأزمة الإنسانية، ونقل وسائل الإعلام صور الهياكل العظمية للأناس الذين أنهكهم الجوع، وهذا فعلا ما حدث هذه المرة، لأن مأساة الجفاف استمرت حوالي ثلاث سنوات، وكانت هناك تحذيرات من حدوث كارثة، ولم ينتبه العالم لحجم هذه الكارثة إلا في الشهرين الأخيرين بعد أن نقلت وسائل الإعلام حقيقة المعاناة على شاشات التلفاز، وكانت الاستجابة محدودة، هنالك بعض الدول الشقيقة التي بدأت تقدم مساعدات جيدة ونذكر منها دولة الكويت الشقيقة وهي الدولة الوحيدة التي استجابت لهذه الكارثة أميرا وحكومة، وكانت هناك حملة جمع تبرعات فعالة انطلقت بمبادرة من أمير الكويت، وكانت لنا مساهمة في هذه الحملة عبر التلفزيون الكويتي، ولا يفوتني أن أشير إلى الدول الأخرى لها جهود مقدرة كجمهورية جمهورية التي نقل رئيسها إلى مقديشو مساعدات كان الشعب الصومالي في أمس الحاجة إليها والسودان وتركيا التي لها جهود مقدرة وتستضيف اليوم اجتماعا لمنظمة المؤتمر الإسلامي حول إغاثة الصومال بعد أن دعت إليه تركيا، وسيقوم رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان اليوم بزيارة إلى الصومال. وهذه لفتة مهمة للعلاقات التاريخية التي تربط تركيا بالمنطقة ككل.
النائب / كيف تقيمون الحجم الحقيقي الكارثة؟
حتى الآن فقد مات الآلاف إن لم ليكن مئات الآلاف، وما نراه من شاشات التلفزيون عبارة عن مجموعات صغيرة تمكنت من الوصول إلى المدن كالعاصمة مقديشو والحدود الكينية والأثيوبية ، أما ملايين السكان القاطنين في الأقاليم المتضررة بالمجاعة وهي أقاليم تمتد من وسط الصومال إلى جنوبه فلا يزالون في أوضاع أكثر مأساة، وكما هو معلوم فان الشعب الصومالي هو شعب رعوي يعتمد على الثروة الحيوانية والزراعة تأتي في المرتبة الثانية، وهذا ما أعطى الكارثة بعدا خطيرا لتأثر هذين المصدرين بعدم هطول الأمطار في الأعوام الثلاثة الماضية، أما فيما يتعلق بحجم المعاناة الإنسانية الناتجة عن هذه الكارثة، فقد رأيت بأم عيني مظاهر مفجعة حين زرت في العاشر من شهر رمضان المخيمات الواقعة غرب مقديشو، هناك وجدت رجلا مسنا قيل لي انه فقد أسرته بالكامل، وتوفي آخر أفراد أسرته وهو طفل أضناه الجوع بعد ذهاب الرجل إلى معسكر للقوات البوروندية لجلب شيء من الغذاء له لكنه رجع إليه وهو فارق الحياة، وقد شاهدت أيضا أسرا كاملة لا تستطيع الوقوف على الأرجل وملتزمة بالجلوس لشدة الضعف الجسدي الناجم عن المجاعة. وجدنا أيضا امرأة حديثة الولادة ولا تستطيع الوقوف على رجليها وقد تورم جسمها نتيجة إصابتها الشديدة بمرض سوء التغذية. والحمد لله استطعنا أن نسعف هذه المرأة، والقصص كثيرة، وفي كل دقيقة هناك صومالي يموت بسبب هذه المجاعة والأطفال يعانون من كثير من الأمراض كالحصبة والكوليرا وسوء التغذية.
النائب / هل لا تزال حركة الشباب تفرض حظرا على عمل المنظمات الدولية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها أم أنها رفعت ذلك الحظر بعد تفاقم الأوضاع الإنسانية ؟
في الحقيقة ليس هناك شخص يستطيع أن ينكر وجود المجاعة في الصومال، وهؤلاء الذين يقولون لا وجود للمجاعة هم يغمضون عيونهم عن الحقيقة، ولم أسمع بحدوث تغير في مواقف هؤلاء إزاء سماح المنظمات الدولية بالعمل في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم،أحيانا يقال إنهم صرحوا للمنظمات الإنسانية الإسلامية بالوصول الى الناس في أماكنهم وإغاثتهم، ولكني لا أستطيع تأكيد ذلك، استطاعت بعض الشركات الخاصة الصومالية مثل " هرمود "و"ذهب شيل " والمغتربون الصوماليون الوصول الى الأماكن الأكثر تضررا والواقعة تحت سيطرة هذه الجماعة مثل بيدبا وشبيلي السفلى ولكن حجم الكارثة أكبر من تسيطر عليها بهذه الجهود المساعي المتواضعة.
النائب / كيف تقيمون الموقف العربي إزاء هذه الكارثة الفاجعة في الصومال ؟
حقيقة فإن الاستجابة العربية محدودة جدا، وكان من المفترض أن يكون لجامعة الدول العربية تدخل أكثر فعالية، ولكن اهتمام العرب بالقضايا المركزية ضعيف ولا يرقى إلى المستوى المطلوب. هذه ليست هي المرة الأولى التي يتعرض الصومال لمثل هذه الكارثة، ففي عام 1975 كانت هناك كارثة أشد من هذه الكارثة ومع هذا لم تتسبب في أية خسائر في أرواح المواطنين لأن الحكومة الصومالية قامت بالتدابير اللازمة لاحتواء تداعيات الكارثة من إغاثة المتضررين وإجلاءهم إلى مناطق أخرى.
النائب / إلى أي مدى انعكس إيجابا خروج حركة الشباب من العاصمة مقديشو على الأمن والاستقرار فيها؟
في الواقع فإننا نستطيع القول بأنه يوجد هنالك تحسن كبير، ومع ذلك فإننا نحتاج إلى مزيد من الوقت لتعود الأمور الى سابق عهدها، ونتمنى أن يتحقق ذلك وأن نرى الصومال وقد استعاد عافيته من هذه الأزمة الطويلة والمعانات المستمرة أكثر من عشرين عاما.
النائب / ما هي رسالتكم إلى العالم من خلال هذه المقابلة؟

رسالتي الى العالم أجمع هي أن احتجاجات الشعب الصومالي للتغلب على هذه الكارثة نوعان، احتياجات على المدى القريب وتتمثل في تقديم المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب وتوفير الرعاية الصحية والتطعيمات وما شابه وفتح المراكز الصحية..الخ، أما على المدى البعيد فهناك حاجة إلى إعادة توطين النازحين في مناطقهم الأصلية ومساعدتهم في إعادة تكوين مصادر ومقومات العيش هناك من جديد.