على هامش زيارة متنوعة المناشط قام بها معالي الدكتور ازهري التجاني وزير الارشاد والاوقاف السوداني انتهزت صحيفة القرن هذه السانحة واجرت مع معاليه حواراً مطولا غطى ثلاث محاور: الثنائي،والاقليمي،والوضع السوداني الراهن وفيما يلي نص الحوار : -
القرن/ ما هي حصيلة مباحثاتكم مع رئيس الجمهورية؟
الوزير/ في هذه الزيارة الرسمية التي قادتني لجمهورية جيبوتي الشقيقة لقد سعدت جداً بلقاء فخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله وأطلعت فخامته من خلال هذا اللقاء على أوضاع السودان بعد الانفصال وقيام دولة جنوب السودان والدفع بكل الاستحقاقات والإجراءات لتقرير مصير الجنوب والاعتراف بدولته والذي يعد خطاً إستراتيجياً للسودان الأم وخياراً وثمناً كان لابد من دفعه من أجل صناعة السلام والاستقرار فنحن اشترينا السلام بثمن غالي جداً يتمثل بانفصال جزء حبيب وعزيز من الوطن ولكننا نعود فنقول إذا كان ذلك ثمناً للرضي السياسي والاستقرار الأمني الذي يتيح للشعبين أن ينمو أنفسهم ويدفع نحو التعاون والتكامل فإن لا يعد ثمناً غالياً وهذه هي الرؤية التي وضعتها أمام فخامة الرئيس وكذلك تباحثنا مع فخامة الأخ الرئيس فيما يليا لوزارة المختصة وتطابقت وجهة نظرنا حول أن يكون العامل الديني عاملاً موجباً في البناء والإعمار والتماسك الاجتماعي في بلدنا واستعدادنا لتعاون أوثق وأوسع في هذا المجال واستمعت كذلك إلى توجيهات الرئيس حول سبل تعزيز هذا التعاون والارتقاء بالعمل المشترك.
القرن/ برنامج زيارتكم الرسمية الأولى لجيبوتي كان حافلاً باللقاءات والجولات والاجتماعات فما لذي تمخض عنها وعن اجتماع عمل رسمي جمعكم بنظيركم الجيبوتي؟
الوزير/ الزيارة في حقيقة الأمر كانت حافلة بمناشط متنوعة فيعد لقائنا بفخامة الرئيس وأخذ الموجهات منه التقينا بمعالي دولة رئيس الوزراء وكان اللقاء في نفس الامتداد المتمثل باطلاع قيادة الدولة على الأوضاع في السودان وآفاق التعاون بين بلدينا، وبعد ذلك فعلاً كانت لدينا جلسة مباحثات مع معالي الأخ الدكتور/ حامد عبد سلطان وزير الشئون الإسلامية والأوقاف وكانت مخصصة للتعاون الثنائي وخلصنا فيها إلى تطوير مذكرة التفاهم التي وقعناها في الخرطوم عام 2009 إلى برنامج تنفيذي غطى جملة من النقاط أبرزها:
- تعزيز التعاون الثنائي ولعب دور في تنشيط التعاون الجماعي بين دول شرق إفريقيا من خلال تفعيل العمل الإسلامي الدعوي والتبادل الفكري والثقافي وتنشيط حركة العلماء والدعوة لمنهج إسلامي وسطي في التفكير وتجاوز غلواء التفكيرين والعنف والنزاعات القبلية والصراعات العرقية والإثنية إلى جوهر الرسالة الإسلامية الحقة المبنية على الأخوة والقيم الإيمانية التي تجعل من العمل الإسلامي عملاً موجبا للبناء والنهوض والرقي والتماسك الاجتماعي.
- الاتفاق على إقامة عدد من الدورات العلمية على المستوى الثنائي من أجل ترقية التخطيط الدعوي والارتقاء البناء التنظيمي لوزاراتنا الشئون الإسلامية والإرشاد والدعوة والأوقاف ورفع قدرات العاملين في هذه الوزارات.
- تنظيم عدد من المؤتمرات المتخصصة التي تناقش قضايا الفكر الإسلامي وموضوع الجماعات الإسلامية والتضامن الإسلامي.
- إقامة ورش عمل في مجال الأوقاف وبعض القضايا الجوهرية المختارة مثل العولمة والقضايا الاجتماعية المختلفة وكيفية الدفع بها إلى فهم إسلامي متفق عليه.
القرن/ شاركتم معالي الوزير في حفل تكريم رئيس الجمهورية للفائزين بمسابقة القرآن الكريم فما هو انطباعكم عن هذا الجهد الجيبوتي الإقليمي المنصب على العناية بكتاب الله؟
الوزير/ والله أنا أعتقد جاز بأن الجهد المبذول تجاه القرآن الكريم في جيبوتي لجدير بالتقدير والإشادة، فأن يكون هناك احتفال سنوي بالحفظة ومسابقة إقليمية وجوائز يتبناها رأس الدولة لهو أمر يشكل حافزاً كبيراً ومهماً وواسعاً للعناية بكتاب الله تلاوةً وحفظاً وتعلماً وهذه رسالة الدين الإسلامي الأساسية وبهذا أنا أعتقد أن جيبوتي قيادة قد وفقت أيما توفيق في مهرجان القرآن الكريم. وأنا لاحظت أن المشاركة كانت واسعة وعالية المستوى وأن الاحتفالية كسبت سمعة طيبة.
وأنا أرجو الله أن يوفق الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله إلى الارتقاء بها من مستوى إقليمي إلى المستوى الدولي، كما يطمح إليه فخامته وأنتهز هذه السانحة لأهنئه على عنايته بكتاب الله.
القرن/ تققيمكم لتجربة ديوان الزكاة الجيبوتي؟
الوزير/ إن الاختيار الجيبوتي والمبادرة إلى إحياء شعيرة الزكاة الإسلامية هو اختيار صحيح وموفق وأوعي وفيه سيق على الغالبية العظمى من بلدان العالمي الإسلامي الذي ترك الزكاة كنشاط اجتماعي رغم كون الزكاة شعيرة سلطانية تتعلق بواجبات الحاكم، وجيبوتي من الدول القليلة التي بادرت مبكراً لأن تهتم الدولة بالزكاة وهذا نابع من إدراك عميق ومحمود من الأشقاء في جيبوتي لأثر الزكاة الاقتصادي في المجتمع المسلم وكونها ركناً أساسياً من أركان التنمية الاجتماعية وواحدة من العناصر الأساسية التي تبقى مدخلاً من المداخل المهمة للحد من الفقر وتوزيع الثروة وعدم حصرها في طبقات محدودة تحدث فوارق بين المجتمعات وتحسن الدول الإسلامية عندما تنتبه إلى هذه الشعيرة المهمة، وأنا أؤكد لك بأن جيبوتي ستتمكن من تحقيق تنمية اجتماعية غير مسبوقة بتبنها هذا الخط وأضرب لك مثلاً بسيطاً عن واقعنا السوداني لتأكيد هذه الحقيقة:
نحن في رمضان فقط ديوان الزكاة في السودان يساهم بما يقارب عشرين مليون دولار في رعاية الفقراء وهذا في موسم واحد أما الميزانية الكلية للديوان التي تصرف في مصارف متعددة فإنها تتجاوز 100 مليون دولار، ونحن في جيبوتي نحتاج إلى أن نطور خطاب الزكاة ونبصر المواطنين بحقيقة الزكاة وأهميتها الاجتماعية وتنظيم ديوان الزكاة تنظيماً اقتصادياً رفيعاً ومتطوراً في نظمه حتى تكون الزكاة مؤسسة اقتصادية حقيقية تساهم في التنمية الاجتماعية.
القرن/ تواجه المنطقة أسوأ موجة جفاف في خسائر بشرية فاضحة وتنبؤ بمزيد من المخاطر كيف تتابعون التعاطي العربي والإسلامي مع هذه الكارثة؟
الوزير/ في الحقيقة من المؤلم جداً أن نرى تعامل العالم الإسلامي مع هذه الكارثة أقل بكثير من إمكانياته في ظل هذا الواقع المأساوي نحن أشد ما نكون حاجة إلى إحياء التضامن الإسلامي وبحاجة أن نذكر بعضنا ونواجه بعضنا بهذا القصور والتدافع تجاه إستجابة حقيقية لمواجهة هذه الحادثة التي يعاني منها بشكل خاص أشقائنا في الصومال فما بدى من التصرف والتعاطي لا يليق بحجم الأمية ووجيهاً وقيماً وعار علينا أن لا نسارع إلى تجاوز هذا المأزق الأخلاق إلى الاستجابة التي تتناسب مع قيمة التضامن الإسلامي والأخوة الإسلامية، كما استجابة الإقليم لنداءات المنكوبين في الصومال حتى الآن ضعيفة جداً، وبهذه المناسبة أنا أشكر لفخامة الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله زيارته التي قام بها اليوم الثلاثاء إلى الصومال وهي بالفعل مبادرة مقدرة والسودان من ناحيته قام بمساهمة جيدة لمساعدة أخواننا وسوف نواصل جهدنا الاجتماعي ومساجدنا الآن تعمل ليل نهار لجمع التبرعات لصالح الإخوان في الصومال وكذلك تتحرك معنا الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني.
وفي هذا السياق أدعو وزارة الإرشاد والشئون الإسلامية والأوقاف إلى أن تكون مبادرة وأن توجه المساجد والإذاعات المتخصصة.
القرن/ لنعبر الآن إلى الشأن السوداني وأوضاعه الراهنة أسلفتم القول معالي الوزير/ بأن الانفصال كان ثمناً مستحقاً للسلام فما هي الأثمان المستعدين لدفعها من أجل استدامة السلام وتحويل تاريخ من الحروب والمرارات إلى علاقات تعاون وتكامل مع دولة جنوب السودان الوليدة؟
الوزير/ بالفعل نحن كما أسلفت خطنا الإستراتيجي الذي جعلنا ندفع ثمناً غالياً وهو انفصال الجنوب هو استدامة السلام والاستقرار السياسي لأن استدامة السلامة والاستقرار السياسي هي الشروط الموضوعية للنهضة الاقتصادية والعيش الكريم لشعبنا، ونحن الآن مستعدون لحدود آمنة ومرنة مع إخواننا في جنوب السودان وللتبادل الاقتصادي وتبادل كل المنافع، كما أننا مستعدون لعون دولة جنوب السودان على أن تستقر وتنهض بشعبها وتواجه المشاكل التي تحيط به ومستعدون بالتأكيد لدفع كل ما لدينا من قدرات وإمكانات لدعم في جنوب السودان، ولكن صعوبات تتمثل في الآتي:
أولاً: القادة في جنوب السودان ينقسمون إلى قسمين قسم ينظر إلى انفصال الجنوب على أنه رغبة في التحرر من الشمال والاستقلال بنفسه وبناء دولته وخدمة شعبه وهذا القسم صوته منخفض جداً أما القسم الثاني فينظر إلى دولته الوليدة كقاعدة متقدمة لقلقلة شمال السودان والانقلاب عليه وتغيير النظام فيه بما يسمى بالسودان الجديد المتمثل في السودان العلماني الرافض للقيم الإسلامية والمرتهن للغرب وهؤلاء الإخوة لهم ارتباطات قوية مشبوهة بالعالم الغربي ولهم أجندات تتصل بالإستراتيجية الغربية في الإقليم، وهذه المجموعة أولاً صوتها عالي وثانياً لا تريد هدأه مع الشمال.
القرن/ كيف تقيمون حظوظ نجاح اتفاقية الدوحة لسلام دارفور من خلال قراءة المعطيات على الأرض؟
الوزير/ أنا أعتقد أن أهم عوامل النجاح بالنسبة لاتفاقية الدوحة أن كل شيء في قضية دارفور بلغ مداه الحرب بلغت مداها حتى أصبحت بلا منطق والحركات المسلحة في دارفور بلغت مداها، حيث بلغت 47 حركة لدرجة أن فرداً واحداً أصبح يمثل حركة وكذلك التفاوض والمثابر بلغت مداها حتى أننا لم نترك بلداً عرضت فيه مبادرات للتفاوض إلا وتفاوضنا فيه وبلغنا حتى في مفردات التفاوض ولا توجد قضية تفصيلية لم تناقش والشعب في دارفور ذاته بلغ المدى وبدأ يسأل أسئلة واضحة عن جدوى الحرب ويقنع بأنه لا جد جدوى للحرب بأي حال من الأحوال والعامل الثاني للنجاح أن الدوحة نقلت القضية إلى الداخل هذا عامل من عوامل النجاح لأن الداخل وأصحاب المصلحة الحقيقية لا يريدون الحرب والمواطنون في معسكرات النزوح مسئمو البقاء في هذه المعسكرات التي دفعوا إليها دفعاً من قبل بعض الحركات المسلحة لمآرب سياسية موهمين إياهم بأن المسألة حق شهرين وثم يعودون وفي الواقع طالت فترات النزوح لسنوات فسئمو وحنو للعودة إلى مدنهم وقراهم وحياتهم الطبيعية وأصبح شعار أصحاب المصلحة مواطني دارفور شعار السلام واتضح ذلك بوضوح في الدوحة،حيث كانت تواجه أي نقطة تحفظ من قبل حركة مسلحة بنداءات سلام دارفور.
العامل الثالث: هذه الاتفاقية رصدت أموالاً للتنمية وهذا الأمر سيساعد أهل دارفور في اندفاع سيرة التنمية في الإقليم.
والعامل الرابع: توفر إرادة سياسية قوية لدى كل الحركات الموقعة على هذه الاتفاقية والمنضوية تحت التحرير والعدالة وكذلك إرادة سياسية قوية وحاسمة لدى الحكومة تجاه إنقاذ هذه الاتفاقية.
والعامل الأخير: تمهيد الحكومة للنجاح منذ ثلاث سنوات إستراتيجيتها التي رصدت ميزانية كبيرة لتنمية دارفور أدت إلى إحداث نقلة حقيقية أقنعت المواطنين بجدوى السلام ومخاطر الحرب على الأرض والإنسان.

اجرى الحوار /
جمال أحمد ديني