رعى رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله يوم الاثنين الماضي، الموافق الـ 20 من مارس الجاري، حفل تدشين معهد الوسطية وثقافة السلام، التابع لوزارة الاسلامية والأوقاف والكائن في حي هدن 2، ببلدية بلبلا. 

وجرت مراسم حفل التدشين بحضور رئيس الوزراء السيد/ عبد القادر كامل محمد،ورئيس الجمعية الوطنية السيد/ دليتا محمد دليتا، والعديد من أعضاء الحكومة، من بينهم وزير الشؤون الاسلامية والأوقاف السيد/ مؤمن حسن بري،

بالإضافة إلى مدير عام الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، السيد/ بدر سعود الصِّميط، ووزير الشؤون الاسلامية والأوقاف بصومالي-لاند، الشيخ/ عبد الرزاق علي الألباني، ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا، الشيخ/ إبراهيم توفا، وسفراء الدول العربية والإسلامية المعتمدين لدى بلادنا، ولفيف من الأئمة والدعاة والعلماء. ووفقا للمسؤوليات المنوطة به، سينشط هذا المعهد وهو ذو طابع إقليمي في أربع مجالات أساسية، تتمثل في تكوين وتأهيل العلماء، والبحوث والدراسات المتعلقة بتأصيل الوسطية ومكافحة التطرف والتشدد، وإقامة المؤتمرات الدينية المحلية والإقليمية من أجل تشجيع التبادل الفكري بين العلماء ورجال الفكر في المنطقة، والانخراط في مجال الإعلام الدعوي، الذي يهدف إلى رفع كفاءة الدعاة للتعامل مع الأدوات العصرية لخدمة العمل الدعوي والتواصل مع المجتمع بيسر وسهولة. كما ستعنى هذه المنارة الأولى من نوعها على مستوى منطقة القرن الإفريقي، بتدعيم الجهود التي تقوم بها الدولة لبناء الأمن الفكري وتعزيزه وحماية المجتمع من المذاهب والأفكار الهدامة وتكوين كوادر العمل الدعوي. وفي مستهل المناسبة، قام رئيس الجمهورية بإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية إيذانا بالافتتاح الرسمي لهذا المعْلم الذي سيُسهم في ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال والتصدي للأفكار المتطرفة والغلو، فضلا عن نشر ثقافة السلام. كما اطَّع عن قرب -من خلال جولة تفقدية- على مختلف المرافق التابعة لمعهد الوسطية وثقافة السلام، والذي سيتولى تدريب الأئمة والعلماء الذين سيقومون بدورهم بنشر قيم الإسلام كالعدل والتسامح والانفتاح. ويضم هذا المشروع في مرحلته الأولى مبنى رئيسيا يتكون من طابقين يضم الأول منهما مكاتب إدارية وقاعات للاجتماعات وصالة كبيرة للتراث فضلا عن مكتبة، فيما يحتوي الطابق الثاني على 9 قاعات دراسية تسع الواحدة منها 25 طالبا. 

وفي كلمة ألقاها بهذه المناسبة أشار رئيس الجمهورية، إلى أن تدشين مَعْهَدِ الْوَسَطِيَّةِ وَثَقَافَةِ السَّلَاَمِ َ يَأْتِي فِي إِطَارِ الْجُهُودِ الْحَثيثَةِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الدَّوْلَةُ لِحِمَايَةِ الْقِيَمِ وتَعْزِيزِ التَّسَامُحِ وَ الْاِعْتِدَالِ، مضيفا القول « إن هَذِهِ الْمُؤَسَّسَةُ أَهَمِيَّةٌ كَبِيرَةٌ عَلَى الْمُسْتَوَى الْوَطَنِي وَالْإقْلِيمِي، حيث تسَاهِمُ فِي دَعْمِ ثَقَافَتِنَا الدِّينِيَّةِ وَتَشْجِيعَ نَهْجِ الْوَسَطِيَّةِ   وَالْاِنْفِتَاحِ، وَبِهَذَا الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، نَسْتَطِيعُ أَنْ نَنْشُرَ مَعَانِيَ الْهِدَايَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْأَمْنِ وَالْأمَانِ فِي مُجْتَمَعِنَا الْمُسْلِمِ». واعتبر الرئيس إسماعيل عمر جيله، هذه المنشأة الدينية بأنها تمثل إضَافَةً مُهِمَّةً لِجُهُودِ وَزَارَةِ الشُّؤُونِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي ما يتعلق بتَوْجِيهِ الْقِطَاعِ الدِّينِي وَالْإِشْرَافِ عَلَيْهِ، وتَشْجِيعِ الدُّعَاةِ وَالْأئِمَّةِ عَلَى اِتِّبَاعِ مَنْهَجِ الْوَسَطِيَّةِ وَالْاِعْتِدَالِ وَالتَّسَامُحِ. مؤكدا أنها ستسْهِمُ فِي تَعْزِيزِ السِّلْمِ الْأَهْلِي والوِئَامِ الْوَطَنِي مِنْ خِلَالِ نَشْرِ ثَقَافَةِ السّلَامِ والتَّضَامُنِ فِي الْمُجْتَمَعِ الجِيبُوتِي. وأرف بالقول «اِنْطِلَاقًا مِنْ شِعَارِنَا الْوَطَنِي وَحْدَةُ، مُسَاوَاةٌ، سَلَاَمٌ، فَإِنَّنَا نَسْعَى بِصُورَةِ دَائِمَةِ لِتَعْزِيزِ ثَقَافَةِ السَّلَامِ وَالتَّعَايُشِ وَتَقْوِيَةِ النَّسِيجِ الْاِجْتِمَاعِي، وبفَضْلِ الْجُهُودِ الْمُتَوَاصِلَةِ، تَتَعَزَّزُ هَذِهِ الْأَهْدَافُ النَّبِيلَةُ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْقِيَّمِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي هِي عَامِلٌ مِنْ عَوَامِلِ وَحْدَتِنَا وَقُوَّتِنَا». 

وفي ختام الكلمة أبدى رئيس الجمهورية، عن الفخر والاعتزاز بِالتَّنَوُّعِ الثَّقَافِيِّ لِبِلَادِنَا وبِاِنْسِجَامِهَا الْاِجْتِمَاعِي وتقَالِيدِهَا فِي التَّسَامُحِ وَالْاِعْتِدَالِ، ومن ثم يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى دَائِمًا لِلْحِفَاظِ عَلَى هَذِهِ الْمَزَايَا وَهَذِهِ النِّعَمِ لِحِمَايَةِ دِينِنَا الذِي هُوَ مَصْدَرُ إلْهَامِنَا وأخوتنا»، مجددا الشُكْرَ والتَقْديرِ لِكُلِّ الَّذِينَ سَاهَمُوا فِي إِنْجَازِ هَذَا الْمَعْهَدِ. وفي خطابه باللغة الصومالية قال رئيس الجمهورية « لقد استغرقت عمليات بناء معهد الوسطية وثقافة السلام سنوات عديدة، ولكن الفضل يعود لإتمامه إلى أشقائنا بدولة الكويت، وإن بداية المشروع تعود لأعوام بعيدة، وقد حاولنا كما تعلمون منذ الوهلة الأولى، تشييد هذا الصرح، لكن لكل شيء أجل مقدَّر له من المولى تعالى، والأمر يعود إليه.  ولا يسعني بهذه المناسبة أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم التقدير لأشقائنا بدولة الكويت، الذين مكّنوا- بعد فضل الله تعالى- من لقاءنا في هذا اليوم، وذلك من باب إعطاء كل ذي حق حقه».  ونوه أن هذا المعْلم وسيكون بمثابة بوتقة يلتقي فيها علماؤنا وأئمتنا للتفكر والاستزادة من العلم الشرعي، وإيصاله إلى الناس وفقا لديننا الإسلامي الغراء، بعيدا عن التطرف والتشدد الذي تعاني منه المنطقة في السنوات الأخيرة.  بدوره أشار وزير الشئون الإسلامية والأوقاف، إلى أن هذا المشروع الحيوي يبرز رؤية رئيس الجمهورية في تعزيز قيم الاعتدال والتسامح، ويتماشى مع السياسة الحكيمة التي تنتهجها بلادنا والتي جعلت منها واحةً للسلام والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.  وأضاف قائلا « قد قامت جيبوتي بدور فاعل في تعزيز ثقافة السلام في المنطقة، وذلك من خلال مبادراتها ومساعيها الحميدة في تعزيز السلم والاستقرار الإقليميين، ومن بين هذه المبادرات نذكر مبادرة المصالحة الصومالية التي أطلقها رئيس الجمهورية عام 2000، والتي تُوجت بعقد مؤتمر عرتا التاريخي ونتائجه الناجحة التي ستذكرها الأجيال بكل فخر، وإن هذه المبادرات تعكس بجلاء التزام القيادة الجيبوتية بثقافة السلام والتعايش السلمي كنهج ثابت في دبلوماسيتها الإقليمية والدولية».    وفي معرض حديثه عن رسالة وأهداف معهد الوسطية وثقافة السلام، لفت السيد/ مؤمن حسن بري، الانتباه إلى أن المعهد يتيح مواصلة التعليم العالي الشرعي للسِّلك الديني والطلبة حاملي الثانوية العامة، وذلك لنيل الدبلوم العالي بعد ثلاث سنوات من الدراسة النظامية، وتنظيم الدورات التدريبية والتأهيلية للأئمة والدعاة كوسيلة فعالة لبناء ثقافة الوسطية والتسامح، وتزويدهم بالفهم والمهارات اللازمة. 

كما أوضح أن هذه المنارة العلمية ستقوم باستضافة المؤتمرات والملتقيات على المستوى المحلي والإقليمي لنشر الوعي الديني وتبني القيم الإسلامية السمحة واعتماد التدابير الوقائية من التطرف العنيف والتشدد، بالإضافة إلى تشجيع البحوث والدراسات التي تساهم في تحقيق الأمن الفكري الديني، وتطوير الإعلام الدعوي الضروري لرفع مستوى الخطاب الديني ومضمونه ورسائله، والاستفادة من تقنيات التواصل الحديثة في تعزيز الوعي الديني والدعوي. وأردف بالقول « ومن المهم أن نذكر أن مثل هذه الجهود تتطلب تعاوناً وشراكةً واسعة النطاق مع المؤسسات والمراكز والدول الشقيقة والصديقة، وخاصة في مجالات التدريب والتأهيل والأبحاث والدراسات، ومن هذا المنطلق فإن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف تُولي اهتماماً كبيراً بتطوير وتنويع سبل التعاون والشراكة مع الجهات المعنية في هذا المجال، وذلك لتحقيق أهداف المعهد والمساهمة في بناء مجتمع متماسك يتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتعايش والانسجام. 

وفي ختام مداخلته اغتنم وزير الشئون الإسلامية والأوقاف الفرصة لتجديد الشكر والامتنان لرئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله، على دعمه ورعايته الكريمة لهذا المعهد. أما مدير عام الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بدولة الكويت الشقيقة فقد هنأ الحضور في مستهل كلمته بقدوم شهر رمضان المبارك، متوجها بالشكر والتقدير لرئيس الجمهورية، على رعايته لهذا الحفل، ودعمه المتواصل لمؤسسات العمل الخيري والإنساني في جمهورية جيبوتي. واعتبر هذا الصرح العلمي الجديد، من روافد العلم والمعرفة، جاء ثمرة تعاون بنّاء ومثمر بين الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية والمجلس الأعلى الإسلامي بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في جمهورية جيبوتي. وأضاف السيد/ بدر سعود الصِّميط قائلا « ونحن نشهد إطلاق منارة من منارات العلم والوسطية، وواحة من واحات المعرفة والسلام، لا يفوتني، أن أرفع أسمى آيات الشكر والعرفان إلى أمير دولة الكويت حضرة صاحب السمو الشيخ/ نواف الأحمد الجابر الصباح، وولي عهده الأمين سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، لما يقدِّمانه للعمل الخيري والإسلامي من رعاية كريمة، ودعم كبير، وتوجيه سديد من أجل خدمة الإسلام والمسلمين. كما يسرني أن أتقدم ببالغ الشكر والتقدير إلى سعادة السفير سعود السعيدي، سفير دولة الكويت لدى جمهورية جيبوتي، على جهوده المباركة الداعمة والميسرة لأعمال المؤسسات الخيرية، ممثلًا لحكومة دولة الكويت ولوزارة الخارجية الكويتية التي لا تَأْلو جهدًا في دعم مسيرة العمل الخيري والإنساني من خلال إدارتها لمنظومة العمل الإنساني، وإشرافها عبر بعثاتها الدبلوماسية على العمل الخيري الكويتي، بوصفه من أبرز الملامح المضيئة لدور دولة الكويت الحضاري في دعم الدول والشعوب الشقيقة والصديقة في شتى أنحاء العالم». كما عبّر عن بالغ الشكر والامتنان للجنة أفريقيا للإغاثة في جمهورية جيبوتي، وجمعية الرحمة العالمية في دولة الكويت، على جهودهم المخلصة في متابعة هذا المشروع منذ أن كان فكرة، وحتى أصبح صرحًا من صروح العلم والمعرفة، مضيفا القول « إننا نحتفل اليوم بميلاد قلعة علمية جديدة، انطلاقًا من الرؤية الاستراتيجية للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية التي يمثل فيها برنامج التعليم أحد محاورها الرئيسة، من خلال توفير فرص تعليمية وتأهيلية، تحقق مخرجات نوعية في أوساط طلبة العلم، لاسيما طلبة الدراسات العليا والنابغين، حتى يصبحوا فاعلين ومؤثرين إيجابيًا في مجتمعاتهم». من جهته ألقى السفير المصري في جيبوتي، السيد/ حسام الدين رضا، كلمة في الحفل، قال فيها « إننا نجتمع اليوم ونحن على مشارف الشهر الكريم لحضور حفل افتتاح صرح ومنارة على أرض جيبوتي الشقيقة، يتمثل في معهد الوسطية وثقافة السلام، وهو المعهد الذي نثق في أنه سيكون بمثابة قِبلة لكل باحث ودارس ومتعمق في شأن الدين الإسلامي الصحيح، باعتداله وسماحته وقيمه النبيلة ورسائله الربانية المرتكزة على قيم الرحمة والتسامح والإنسانية». 

وأشار إلى أنه بافتتاح هذا المعلم الحضاري، بات الطريق مفتوحا أمام تنفيذ جزء مما اتفق عليه رئيس الجمهورية، السيد/ إسماعيل عمر جيله، مع نظيره المصري، الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته إلى جيبوتي، في مايو عام 2021، وزيارة الرئيس جيله للقاهرة في فبراير عام 2022، اتصالا بتعزيز التعاون بين الأزهر الشريف ومعهد الوسيطة وثقافة السلام. 

وألقى كل من وزير الشئون الإسلامية والأوقاف، بصومالي لاند، الشيخ/ عبد الرزاق علي الألباني، وسفير الصومال في جيبوتي، السيد/ صلاد علي جيلي، ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بإثيوبيا، الشيخ إبراهيم توفا، كلمات أكدوا فيها على أهمية الدور المحوري الذي سينهض به معهد الوسطية وثقافة السلام على مستوى منطقة القرن الإفريقي، مؤكدين أن الوسطية حق وعدل وخير ومطلب شرعي أصيل ومقصد أسمى ومظهر حضاري رفيع، فضلا عن كونها الاعتدال في كل أمور الحياة.