أدَّت هجمات البحر الأحمر إلى ظهور نافذة جديدة من الفرص لموانئ جيبوتي، الواقعة على ساحل خليج عدن.
يحتل مضيق باب المندب المرتبة الثالثة عالميًّا من حيث عبور موارد الطاقة، بعد مضيقي ملقا وهرمز.
- تمتع جيبوتي بشبكة موانئ متطورة تدعم حركة التجارة الإقليمية: تُعدّ جيبوتي مركزًا لوجستيًّا مهمًّا في منطقة البحر الأحمر، وذلك بفضل شبكة موانئها المتطورة التي تُسهم بشكل كبير في دعم حركة التجارة الإقليمية.
- وتتمتع جيبوتي بخمسة موانئ متخصصة، تُلبِّي احتياجات متنوعة من شحن البضائع والبضائع السائبة والنفط والغاز الطبيعي.
- ويُعدّ ميناء دوراله للحاويات من أبرز موانئ جيبوتي؛ حيث تأسّس عام 2009م ليصبح من أضخم موانئ الحاويات في إفريقيا.
- تبلغ مساحة الميناء حوالي 3 كيلو مترات من البوابة حتى حافة البحر، ويبلغ عمق مياه الميناء 20 مترًا، ممّا يسمح باستقبال السفن العملاقة، يبلغ عرض الميناء 1050 مترًا، ممّا يُتيح مناولة كميات كبيرة من البضائع، يرتبط ميناء دوراله مباشرةً بمحطة القطارات الرئيسية في جيبوتي، ممّا يسهِّل عملية نقل البضائع إلى إثيوبيا عبر خط «أديس أبابا-جيبوتي»، بفضل هذه المميزات، أصبح ميناء دوراله البوابة الرئيسية لحركة التجارة الخارجية الإثيوبية؛ حيث تُشكّل البضائع المتجهة إلى إثيوبيا أو القادمة منها ما نسبته 90% من إجمالي حركة الميناء.
- تشهد موانئ جيبوتي عبور ما يقارب 90 سفينة يوميًّا، ممّا يُمثل رقمًا هائلًا يُؤكّد على أهميتها كمركز تجاري ولوجستي إقليمي مُهمّ.
- تمثل السفن القادمة من قارة آسيا نحو 59% من إجمالي السفن التي تمرّ عبر موانئ جيبوتي، وتمثل السفن القادمة من أوروبا نحو 21% من إجمالي السفن، وتمثل السفن القادمة من قارات أخرى، بما في ذلك إفريقيا، نحو 16% من إجمالي السفن.
- تعتبر جيبوتي وجهة إستراتيجية للقواعد العسكرية الأجنبية: تُعدّ جيبوتي، على الرغم من صِغَر مساحتها (23,200 كيلومتر مربع)، وقلة عدد سكانها (حوالي 990 ألف نسمة وفقًا لبيانات البنك الدولي)، وجهة إستراتيجية مهمة للقواعد العسكرية الأجنبية، حيث تُؤوي أكبر عدد من هذه القواعد على مستوى القارة الإفريقية.
- لا تقتصر رغبة الدول في الوجود العسكري في جيبوتي على القوى الحاضرة حاليًّا، بل تسعى العديد من الأطراف الأخرى جاهدةً لتأسيس قواعد عسكرية على أراضيها، حيث تُبدي اهتمامًا كبيرًا بإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، ممّا يُعزِّز من وجودها في إفريقيا والبحر الأحمر، ويعكس هذا التهافت على إنشاء قواعد عسكرية في جيبوتي التقدير المتزايد لأهميتها الإستراتيجية مِن قِبَل مختلف القوى الدولية.
- وتُمكن هذه القواعد الدول من تحقيق العديد من الأهداف والمصالح الذاتية، منها: - تُعدّ جيبوتي بوابة عبور رئيسية للتجارة العالمية، ممّا يجعلها نقطة حيوية لتأمين حركة الملاحة البحرية.
- - تسعى الدول إلى حماية خطوط التجارة البحرية والطاقة التي تمرّ عبر جيبوتي، خاصةً مع ازدياد أهمية هذه الخطوط في الاقتصاد العالمي.
- - تُستخدم القواعد العسكرية لمكافحة ظاهرة القرصنة واختطاف السفن في البحر الأحمر، ممّا يُسهم في تعزيز الأمن البحري. - تسعى الدول إلى حماية أصولها ومواطنيها في الخارج من خلال وجودها العسكري في جيبوتي. - تُسهم القواعد العسكرية في تعزيز نفوذ الدول صاحبة هذه القواعد في المنطقة وتوسيع نطاق تأثيرها.
- - جيبوتي حارس أمين على ممرات الملاحة البحرية: تُثبت جيبوتي، من خلال موقعها الإستراتيجي على مضيق باب المندب، قدرتها على الاضطلاع بدورٍ مهمّ في مجال الإنقاذ البحري، وضمان سلامة الملاحة في أحد أهمّ ممرات التجارة العالمية.
- برزت مهارات جيبوتي في مجال الإنقاذ البحري من خلال عملية إنقاذ غير مسبوقة لركاب سفينة «روبيمار» التي تعرَّضت لهجوم أثناء عبورها جنوب البحر الأحمر.
- وتمّكنت فِرَق الإنقاذ الجيبوتية من تأمين الركاب بنجاح، ممّا يُؤكِّد على كفاءتها وخبرتها في التعامل مع مثل هذه الحوادث. كما أسهمت جيبوتي بفعالية في عملية الأمم المتحدة لنقل النفط من خزان “صافر” الراسي قبالة سواحل اليمن.
- وتعكس هذه المشاركة التزام جيبوتي بضمان سلامة الملاحة البحرية وحماية البيئة من مخاطر تسرب النفط (3). على الرغم من التأثيرات السلبية التي تشهدها غالبية الموانئ التي تطل على البحر الأحمر وخليج عدن، بسبب الاستهداف الحوثي للسفن؛ إلا أنه في المقابل تزايد دور موانئ جيبوتي، وهو ما يمكن إرجاعه إلى عدد من الأسباب المرجّح تحققها، على النحو التالي: -جيبوتي: ملاذ لوجستي آمِن في خضمّ فوضى البحر الأحمر: تعرَّضت حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر لاضطرابات كبيرة خلال الفترة الماضية، وذلك بسبب هجمات الحوثيين على السفن المارَّة بمضيق باب المندب.
- أدَّى ذلك إلى تردد العديد من السفن في عبور المضيق، خوفًا من التعرض للهجمات. في ظل هذه الظروف، ظهرت موانئ جيبوتي كبديل آمِن وموثوق لخدمة السفن العابرة للمنطقة. فمع تعطُّل وصول السفن إلى الموانئ الأخرى في البحر الأحمر، لجأت العديد من السفن إلى موانئ جيبوتي للحصول على الخدمات اللوجستية والصيانة اللازمة. تشير العديد من المصادر إلى أن بعض السفن تلجأ إلى الانتظار في المياه الإقليمية وموانئ جيبوتي هربًا من هجمات الحوثيين. حيث تقف هذه السفن في مأمن من أيّ هجمات محتملة، وتنتظر اتخاذ قرار بشأن مسار رحلتها التالي.
- وتُقدّم هذه الظاهرة دليلًا قاطعًا على ثقة شركات الملاحة الدولية في سلامة وأمان المياه الإقليمية الجيبوتية، حتى في ظلّ التوترات الأمنية التي تشهدها المنطقة.كما شهدت جيبوتي قفزة ملحوظة في مؤشرات الأداء اللوجستي خلال السنوات الماضية، مما يعكس جهودها المستمرة في تطوير بنيتها التحتية وتحسين خدماتها. هذا وتلجأ بعض السفن -هربًا من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر- إلى تغيير مسارها نحو طريق رأس الرجاء الصالح.
- ومع ذلك، تواجه هذه السفن تحديات كبيرة في الحصول على التزود بالوقود والخدمات اللوجستية على طول هذا الطريق، وذلك بسبب عدم جاهزية الموانئ الإفريقية على هذا المسار.
- وهنا تُقدم موانئ جيبوتي حلولًا مثالية لهذه التحديات، وذلك بفضل موقعها الجغرافي المميز على مفترق طرق الملاحة البحرية الدولي. الدور المتزايد لموانئ جيبوتي في نقل البضائع إلى إفريقيا: تلعب موانئ جيبوتي دورًا مهمًّا كمركز لنقل البضائع من وإلى الدول الحبيسة في إفريقيا، مثل إثيوبيا وجنوب السودان. ونتيجة لتخوُّف شركات الشحن من عبور البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين، ظهرت فرصة جديدة أمام موانئ جيبوتي؛ حيث يتم تحميل بعض البضائع في هذه الموانئ لنقلها بريًّا إلى دول الجوار، مثل إريتريا والسودان.
- ويُعدّ نقل البضائع إلى داخل السودان دون المرور على مناطق الصراع ميزة كبيرة، خاصةً في ظلّ الصراع الداخلي الذي تشهده البلاد، مما أثَّر على حركة الاستيراد عبر الموانئ البحرية.
- كما تتمتع موانئ جيبوتي بقدرة هائلة على مناولة الحاويات؛ حيث شهدت هذه القدرة ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية.
- ففي عام 2010م، بلغ حجم مناولة الحاويات في موانئ جيبوتي 406 آلاف TEU (وحدة قياس مكافئة لعشرين قدمًا). بينما ارتفع هذا الرقم إلى 917 ألف TEU في عام 2019م، أي بزيادة هائلة بلغت 126% .
- جيبوتي: ملاذ آمِن لإعادة التصدير في ظلّ تراجع حركة الملاحة في البحر الأحمر: أدَّى تراجع حركة مرور السفن عبر البحر الأحمر إلى انخفاض نشاط إعادة التصدير في الموانئ الواقعة على ضفافه.
- ومع ذلك، تشير بعض المؤشرات إلى أنّ موانئ جيبوتي قد تتمكَّن من تعويض هذا التراجع، وتحويلها إلى مركزٍ مهم لإعادة التصدير في المنطقة.
- كما أنّ ميناء دوراله شهد زيادة في حركة مناولة الحاويات خلال شهر يناير 2024م، مقارنةً بالأشهر السابقة. ويُعدّ هذا مؤشرًا قويًّا على اتجاه بعض شركات النقل البحري للاعتماد على موانئ جيبوتي لإعادة تصدير بضائعها؛ هربًا من مخاطر عبور البحر الأحمر.
- يُعدّ قطاع النقل واللوجستيات ركيزة أساسية للاقتصاد الجيبوتي؛ حيث يُسهم بنحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتلعب موانئ جيبوتي دورًا محوريًّا في هذا المجال، من خلال توفير خدمات إعادة التصدير والخدمات اللوجستية المتقدمة لشركات الشحن من جميع أنحاء العالم.
- فوفقًا لبيانات منظمة الاتحاد الإفريقي، يُسهم قطاع الخدمات بنسبة 80% في الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي، بينما تُشكل قطاعات الصناعة والزراعة 17% و3% على التوالي) فرص واعدة لجيبوتي في ضوء تحديات منطقة البحر الأحمر: تُواجه منطقة البحر الأحمر تحديات أمنية متزايدة تلقي بظلالها على مستقبل المنطقة.
- ولكن في ظل هذه التحديات، تظهر فرص واعدة لجيبوتي، تتمثل في: الاستفادة من مناولة الحاويات في الموانئ: تُواجه منطقة البحر الأحمر اضطرابات أمنية متزايدة، ممّا أدّى إلى تحويل مسارات الشحن البحري نحو موانئ أكثر استقرارًا، مثل الموانئ الجيبوتية.
- وقد نتج عن ذلك انتعاشٌ ملحوظٌ في عمليات مناولة الحاويات في هذه الموانئ خلال الأشهر الأخيرة، ممّا يُؤكّد على مكانتها المتنامية كمركزٍ لوجستي إقليمي مُهمّ.
- ويُعدّ ميناء دوراليه مثالًا بارزًا على هذا الانتعاش؛ حيث شهد ارتفاعًا في عمليات مناولة الحاويات خلال شهر يناير 2024م بنسبة تتراوح بين 5% و10% مقارنةً بالأشهر السابقة. كما يتميز ميناء دوراليه بقدرته على استقبال أكبر السفن على مستوى العالم، ممّا يجعله وجهةً مُفضّلةً للشحن البحري، ويشهد ميناء دوراليه دخول شركات ملاحية جديدة كعملاء جدد، ممّا يُسهم في زيادة حجم النشاط التجاري في الميناء.
- ارتفاعٌ في إيرادات تأمين الشحن البحري على خلفية التوترات في البحر الأحمر: تُلقي التطورات الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر، بما في ذلك هجمات الحوثيين على السفن التجارية المتَّجهة إلى إسرائيل والضربات الجوية الأمريكية-البريطانية على مواقع الحوثيين، بظلالها على قطاع الشحن البحري في المنطقة. وتُشير التوقعات إلى أنّ هذه التطورات قد تُؤدِّي إلى ارتفاعٍ ملحوظٍ في إيرادات تأمين الشحن البحري في جيبوتي، وهو ما قد يتحقَّق في ضوء فرض رسوم إضافية لتغطية المخاطر المرتبطة بظروف النزاع القائم وحالة عدم الاستقرار القائمة في المنطقة.
- استثمار مساعي تأمين الملاحة في البحر الأحمر لتعزيز إيرادات القواعد العسكرية: تُتيح التطورات الأمنية في البحر الأحمر، وخاصةً جهود القوى الدولية لتأمين الملاحة، فرصًا لجيبوتي لتعزيز إيراداتها من القواعد العسكرية الأجنبية الموجودة على أراضيها.
- تُشكّل الإيرادات المُتحقّقة من إيجارات القواعد العسكرية مصدرًا مهمًّا للدخل لجيبوتي؛ حيث تُقدّر بنحو 128 مليون يورو، أي ما يُعادل 3% من الناتج المحلي الإجمالي. وتُعدّ القاعدة العسكرية الأمريكية الأكبر من حيث القيمة الإيجارية؛ حيث تُدِرّ على جيبوتي 56 مليون يورو سنويًّا.
- وتُسهم القاعدة العسكرية اليابانية أيضًا في إيرادات جيبوتي، بقيمة إيجارية تبلغ 3 ملايين يورو سنويًّا. تشهد المنطقة تسارعًا في وتيرة التحركات العسكرية مِن قِبَل دول إقليمية ودولية بهدف تأمين حركة الملاحة.
- ويُعدّ تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية لتحالف دولي مُتعدّد الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر (عملية حارس الازدهار) خطوةً مهمّةً تُعزّز الأمن والاستقرار في المنطقة.
- كما يُعزّز الاتحاد الأوروبي جهوده لتأمين الملاحة في البحر الأحمر من خلال إطلاق مهمةٍ عسكريةٍ جديدةٍ أطلق عليها اسم»عملية أسبيدس». خلاصة القول: أزمة البحر الأحمر: جرس إنذار لإستراتيجيات الموانئ الإفريقية تدهور الوضع الأمني في البحر الأحمر بسرعة في أواخر عام 2023م، وقد يتحسن بنفس السرعة في الأشهر المقبلة إذا نجحت الوساطة الدولية أخيرًا في تأمين اتفاق سلام دائم بين إسرائيل وحماس.من المؤكد أن أزمة البحر الأحمر ستنتهي في مرحلةٍ ما، وستعود حركة الشحن العالمية إلى طريق قناة السويس الأقصر والأقل تكلفة، مما سيضع حدًّا للزيادة قصيرة الأجل في إيرادات الموانئ الناجمة عن زيادة الطلب على خدمات التزود بالوقود وإعادة التجهيز. ومع ذلك، فقد سلّطت الأزمة الضوء على موانئ إفريقيا، وأبرزت إمكاناتها لتنويع الطرق التجارية إلى جانب أوجه قصورها مقارنةً بالموانئ الدولية المتقدمة الأخرى. وحتى قبل الأزمة، استثمرت عدة دول إفريقية بشكل كبير في البنية التحتية والخدمات الخاصة بالموانئ، وستؤدي ذروة الطلب إلى إعادة تركيز جهودها على تنفيذ إستراتيجيات استثمارية تُعزّز الترابط البيني الإفريقي والدولي مع شركاء أكثر استعدادًا للتعاون.
- تُشير الرؤية المستقبلية إلى تزايد الأهمية الإستراتيجية لجيبوتي كمركزٍ محوريٍّ في منطقة البحر الأحمر خلال العقود القادمة.
- ومن المرجّح أن تستمر الأوضاع المضطربة في منطقة البحر الأحمر لفترة من الزمن، خاصةً مع تصاعد وتيرة المواجهات العسكرية في قطاع غزة. وسيُؤدّي ذلك إلى ازدياد اهتمام القوى الدولية بتأمين حركة وحرية الملاحة الخاصة بها، وخطوط إمدادات مصادر الطاقة في المنطقة. ومن المتوقع أن تزداد التحركات العسكرية للعديد من القوى الدولية في المنطقة، وستدور هذه التحركات بدرجة كبيرة في فلك جيبوتي. كما ستُؤدّي هذه التطورات إلى زيادة إيرادات جيبوتي من رسوم الموانئ والخدمات اللوجستية، وجذب الاستثمارات، وعليه ستُصبح جيبوتي وجهةً مُفضّلةً للاستثمارات الأجنبية، ممّا يُسهم في تنمية اقتصادها.
- وستُؤدّي هذه التطورات إلى خلق فرص عملٍ جديدةٍ لسكان جيبوتي.