منذ نشأتها، تُعَدُّ البنوك حجر الأساس في الاقتصاد العالمي، فهي لا تقتصر على كونها مكاناً لحفظ الأموال وتوفيرها، بل تمتد خدماتها لتشمل مجموعة واسعة من الأنشطة التي تدعم الأفراد والشركات على حد سواء.
كما تعتبر البنوك محركاً أساسياً للتمويل الشخصي والعام، فهي تسهم -من خلال تقديم القروض الشخصية والتمويل العقاري- في تحقيق أحلام الأفراد في امتلاك منازلهم الخاصة، وبدء مشاريعهم التجارية، وحتى تأمين مستقبلهم عبر خُطط التوفير والاستثمار» في هذا الصدد، تنشط البنوك الإسلامية وهي مؤسسات مالية، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وتتبنى مبادئ وأسس مالية مختلفة عما هو معتاد في البنوك التقليدية.
بدأت هذه البنوك التي تطورت استجابةً للرغبة في تقديم خدمات مالية تتماشى مع الشريعة الإسلامية، التي تحرم الربا (الفائدة) والمعاملات غير الأخلاقية، في النمو منذ منتصف القرن العشرين، وتوسعت بشكل كبير في العقود الأخيرة.
بداية واعدة وفي جمهورية جيبوتي، كان أول ظهور للبنوك الإسلامية في العام 2006، وذلك بعد عقدين من الزمن ظلت خلالهما الساحة المصرفية تحت سيطرة اثنين من البنوك التقليدية العملاقة، هما بنك التجارة والصناعة- البحر الأحمر، وبنك أندوسويس- البحر الأحمر، الذي تحول فيما بعد إلى بنك أفريقيا - البحر الأحمر. وتتميز هذه البنوك عن غيرها من المؤسسات المصرفية، بتوفير خدمات مالية متنوعة مثل الودائع، والتمويل العقاري، والتمويل التجاري، والاستثمار، وغيرها، وذلك بحسب مبادئ الشريعة الإسلامية.وتعمل البنوك الإسلامية وهي حالياً بنك سبأ الإفريقي وبنك سلام الإفريقي، بالإضافة إلى بنك شرق إفريقيا على توسيع قاعدة الشمول المالي عن طريق توفير خدمات مصرفية وتمويلية تتوافق مع قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية لجميع شرائح المجتمع.هذه البنوك تقدم خدمات مصرفية متعددة تلبي احتياجات الزبائن من قبيل فتح الحسابات المصرفية بأنواعها: حسابات الادخار الاستثمارية، وحسابات ودائع الاستثمارات.
خدمات مالية تتوافق مع الشريعة وفي حديث للتلفزيون الوطني، أفاد السيد/ عبد الرحمن محمود، رئيس قسم الرقابة المالية في بنك سبأ الأفريقي أن قصة البنوك الإسلامية بدأت في جمهورية جيبوتي لأول مرة في عام 2006 مع تدشين بنك سبأ الإفريقي، ملفتا إلى أن من بين العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذه المبادرة رغبة الشعب الجيبوتي في الحصول على خدمات مصرفية تتماشى مع الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى المناخ الجذاب والمستقر على الصعيدين السياسي والاقتصادي، على الرغم من أن جيبوتي تقع في منطقة تشهد توترات وصراعات.
كما لعب موقعها الاستراتيجي دوراً حاسماً في هذا السياق. وصرح قائلا : «منذ إنشائها، شهدت هذه البنوك تدفقاً كبيراً من المواطنين الذين يرغبون في الوصول إلى خدمات مصرفية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، مثل المرابحة، والاستثمار، والإجارة، والاستصناع، والمشاركة، وغيرها من الخدمات».
وأكد السيد/ محمود أن هذه المؤسسات المالية، نجحت على مدار العقدين الماضيين في تنفيذ العديد من المشاريع، لاسيما في قطاع الإسكان الاجتماعي، بما يتماشى مع السياسة الوطنية الرامية إلى توفير سكن مناسب لمختلف فئات المجتمع.
وأردف بالقول «من بين هذه المشاريع، نجد المدينة السكنية سبأ ومشروع الإسكان الاجتماعي الضخم في منطقة نجاد، على مشارف مدينة جيبوتي، وتلعب هذه المشاريع بالتالي دوراً أساسياً في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتعزيز التنمية الاقتصادية».
من جهة أخرى تسعى البنوك الإسلامية إلى دعم المشاريع الاجتماعية والبنية التحتية من خلال توجيه التمويل إلى المجالات التي تعود بالفائدة على المجتمع بشكل عام، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
ووفقا للقائمين عليها، فإن ظهور المصارف الإسلامية في جيبوتي جاء لسد الفراغ وتلبية الحاجة الملحة إلى إيجاد هذا النوع من البنوك التي تعمل طبقا للشريعة الإسلامية في جميع معاملاتها، ولممارسة التمويل الاستثماري وفق الصيغ الإسلامية في مجالات تمويل التجارة الخارجية وتمويل التجارة المحلية، فضلا عن تمويل المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها. دور متنامٍ وخدمات متطورة بدوره، أشار مدير إدارة الاستثمار ببنك شرق إفريقيا، السيد/ محمد طاهر إلى أن البنوك الإسلامية في جيبوتي، بما في ذلك بنك شرق إفريقيا الذي تم تدشينه في عام 2019 تواصل تركيزها على مجالات التمويل المتنوعة، سواء للأفراد أو الشركات الخاصة أو المؤسسات الحكومية، مبيِّنا أن هذه المؤسسات المالية تقدم خدمات مصرفية تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، باستخدام مجموعة من العقود والمنتجات المالية التي تتجنب الفوائد الربوية وتلتزم بالقيم الأخلاقية الإسلامية.
وأضاف في تصريح للتلفزيون الوطني «منذ إنشائها، شهدت الخدمات الإسلامية التي تقدمها هذه المؤسسات المالية طلباً كبيراً، كما تبنت هذه البنوك تقنيات حديثة لمواكبة احتياجات عملائها، من خلال التحول إلى الخدمات الرقمية.
وبفضل هذه التقنية، يمكن للعملاء التفاعل مع بنكهم عبر هواتفهم المحمولة دون الحاجة للذهاب إلى الفرع، مما عزز من حضور هذه المؤسسات المالية».
وأوضح طاهر أن البنوك الإسلامية في جيبوتي تسهم أيضاً في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تقديم حلول مالية مبتكرة وأخلاقية، مما يجعلها خياراً مفضلاً للعديد من العملاء الباحثين عن خدمات مصرفية تتسم بالدقة والأمانة والسرعة في آن واحد، مشددا في هذا الصدد على مشروع الإسكان الاجتماعي الذي تقوم مؤسسته بتنفيذه في ناحية نجاد بضواحي العاصمة.وفيما يتعلق بالآفاق المستقبلية أعرب مدير إدارة الاستثمار لدى ببنك شرق إفريقيا عن توقعه مستقبلا واعداً للبنوك الإسلامية، بالنظر إلى الاهتمام المتزايد الذي تحظى به حالياً والخبرة التي اكتسبتها على مر السنين، مضيفا «كما نتطلع إلى توسيع خدماتنا لتشمل المناطق الداخلية من الجمهورية، وتمويل مشاريع للشركات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما لصالح الشباب» توسع وانتشار البنوك الإسلامية في جيبوتي تحظى بإقبال كبير من قبل المجتمع الجيبوتي باعتبارها جزءا من النظام الاقتصادي الإسلامي، وهي تستخدم التكنولوجيا الحديثة في المجال البنكي سعيا لإرضاء رغبات الزبائن وتلبية لطلباتهم المتزايدة.
وفي مسعى للوصول إلى أكر شريحة من المجتمع، بادرت بعض هذه المصارف الإسلامية إلى توسيع نطاق عملها من خلال افتتاح فروع لها في مختلف الأقاليم الداخلية، مما يوفر على سكان تلك الأقاليم عناء المجيء إلى جيبوتي العاصمة من أجل الحصول على خدمات تلك المؤسسات المالية. ختاما يمكن القول إن هذه المؤسسات المالية والتي مضى على انطلاقتها ما يقرب من عشرين عاماً، تلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد ليس فقط من خلال توفير الخدمات المالية، بل أيضا من خلال تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي، ودعم الأفراد والشركات لتحقيق أهدافهم.