في مستهل الجلسة الثانية عشرة لمجلس الوزراء، والتي انعقدت أمس الأول الثلاثاء، الموافق الـ27 من أغسطس الجاري، بعد انقضاء العطلة الصيفية، حدد رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، السيد/ إسماعيل عمر جيله، الأولويات الكبرى للحكومة، مشددا على ضرورة العمل بشكل منسق وموحد لاقتناص الفرص المتاحة، ومواصلة التحولات الجارية لتعزيز دور بلادنا على الساحة الإقليمية والقارية والدولية.

واغتنم الرئيس جيله، هذه الفرصة السانحة لتسليط الضوء على الأهمية الكبرى، للتصديق الأخير على معاهدة تعديل النظام الأساسي للهيئة الحكومية للتنمية «الإيجاد» لترسيخ الاستقرار الإقليمي وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، كما أكد على أهمية توقيع معاهدة الدفاع الجديدة بين بلادنا وفرنسا، والتي تعكس التزامنا بتعزيز شراكاتنا الاستراتيجية.

وكشف رئيس الجمهورية في الخطاب الضافي الذي ألقاه في بداية هذه الجلسة، النقاب عن توقعات بنمو الاقتصاد الوطني بنسبة 7.5% في عام 2024، بفضل توسع الأنشطة المينائية والديناميكية التي تشهدها بعض القطاعات مثل الاتصالات والطاقة.

وفي يلي نورد خطاب رئيس الجمهورية كاملا :- بعد فترة صيفية نأمل أن تكون قد سمحت لكم بإعادة شحن طاقتكم ومشاركة لحظات ثمينة مع أحبائكم، نلتقي اليوم لاستئناف أعمالنا من جديد، إن تصميمنا على مواصلة التزامنا بتنمية بلدنا وخدمة سكاننا يظل أقوى من أي وقت مضى، ونسأله تعالى أن يوفقنا ويرشدنا في إنجاز مهمتنا.

 بينما نعقد هذه الجلسة الثانية عشرة لمجلس الوزراء، يجب علينا أن نتطلع معاً، إلى آفاقنا في عالم لا يتوقف عن التغير، وإن العولمة، الرقمنة، التغيرات الجيوسياسية، التحديات المناخية والأزمات الاقتصادية العالمية تحتم علينا بشكل مستمر على التكيف وإعادة التفكير في استراتيجياتنا وكذلك الإجراءات التي نتخذها ما من شأنه ضمان مستقبل مزدهر ومستدام لأمتنا. إن التحديات التي نواجهها عديدة، وإنني على قناعة تامة بأن الفرص المتاحة لنا عديدة أيضا، ومن ثُم يتعين علينا العملُ بشكل منسق وموحد لاقتناص هذه الفرص، ومواصلة التحولات الجارية لتعزيز دورنا على الساحة الإقليمية والقارية والدولية.

لقد جسَّد التصديق الأخير على معاهدة تعديل النظام الأساسي للهيئة الحكومية للتنمية (الإيجاد) مدى التزامنا بالاستقرار الإقليمي وتعزيز التعاون بين دولنا، وستتيح هذه المبادرة تعزيز التعاون بين دول المنطقة، وتعزيز التنمية الاقتصادية، ومواجهة التحديات المشتركة من قبيل الجفاف، والصراعات، والإرهاب. على الصعيد الدولي، فإن التوقيع على معاهدة الدفاع الجديدة، بعد عامين من المفاوضات، لا يرمز فقط إلى إرادتنا في إعادة النظر في شراكتنا لتعزيز الاستقرار الإقليمي والأمن في إفريقيا، بل يعكس أيضًا التزامنا بتعزيز شراكاتنا الاستراتيجية.

ولن نتوانى عن مشاركة أولوياتنا في المنتدى القادم للتعاون بين الصين وإفريقيا (FOCAC) وفي قمة المستقبل التي ستعقد في نيويورك، وذلك لإسماع صوتنا والعمل مع المجتمع الدولي لتحديد ملامح نظام عالمي جديد أكثر توازنًا، تتمتع فيه دول الجنوب بتمثيل أفضل. السيدات والسادة، إن تحقيق حوكمة عالمية أفضل يتطلب أيضاً تخصيص مزيد من الموارد لتمويل البنى التحتية الإقليمية، وذلك لتعزيز التبادلات التجارية بين الدول داخل القارة، فإفريقيا لا تستثمر اليوم بما فيه الكفاية وتعاني من نقص في التمويل، وهذه هي الرسالة التي سنحملها إلى الساحة الدولية.

على المستوى الوطني، سيظل عملنا مرتكزًا على اقتصاد قوي على نحو متزايد، وعلى الرغم من السياق العالمي وتباطؤ النمو الدولي، فإن اقتصادنا يعود إلى الازدهار، مع توقعات بأن ينمو بنسبة 7.5% في عام 2024. ويعزى هذا النمو بشكل رئيسي إلى توسع الأنشطة المينائية والديناميكية التي تشهدها بعض القطاعات مثل الاتصالات والطاقة، فضلاً عن مشروع مصفاة دميرجوك ومشروع خط أنابيب الغاز عبر الحدود، اللذان سيدعمان نمو اقتصادنا.

وللحفاظ على هذا النمو وضمان التنمية المستدامة، يجب علينا الاستمرار في جهودنا لتنويع الاقتصاد من خلال الاستثمار في القطاعات الواعدة مثل السياحة، والزراعة، والطاقة المتجددة، والصناعات الصغيرة، ويتعين علينا أيضاً الاستثمار في مجال الرقمنة والتحول الرقمي لإداراتنا، وأنظمة الدفع والتبادل، بالإضافة إلى دعم تطوير التجارة الإلكترونية، وإن تشييد بنية تحتية رقمية قوية ونظام بيئي رقمي ديناميكي يعدُّ أمراً ضرورياً لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الابتكار.

وقبل كل شيء، يجب أن نستثمر في التعليم والتدريب في مجال التقنيات الرقمية من أجل خلق قوة عاملة ماهرة وقادرة على المنافسة، وتزويد شبابنا بالأدوات اللازمة لمواجهة تحديات عالم الغد. السيدات والسادة أعضاء الحكومة، لقد تشكلت أمتنا على مر العقود بفضل الجهود المشتركة للرجال والنساء، وثروتنا الأكبر هي رأس المال البشري الذي نستثمر فيه عاما بعد عام، وفي هذا السياق، سنواصل العمل على تقليص العقبات الهيكلية التي تعيق المشاركة الكاملة للمرأة في جميع جوانب حياة المجتمع، بما ذلك تمكين النساء اقتصاديًا، والقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي.

كما يتعين علينا أن نقلص بشكل كبير التمييز على أساس نوع الجنس والإعاقة.. لقد تم بذل الكثير من الجهود ونحن نتحرك الآن نحو مجتمع يمكن فيه تحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية والاندماج. ستتجه أنشطتنا أيضًا نحو دعم الفئات الأكثر ضعفًا وتوفير الإسكان الميسور بغية التخفيف من الصدمات الخارجية وتعزيز مرونة مواطنينا، مع تقديم فرص حقيقية لكل جيبوتي لتمكينه من تحقيق الازدهار والمساهمة الفعّالة في مجتمعنا.

فيما يتعلق بالصحة العامة، تم اتخاذ إصلاحات هامة لتنظيم وهندسة الهياكل الصحية بشكل أفضل، خاصةً العيادات المتعددة التخصصات والمؤسسات الخاصة، لضمان حصول كل مواطن، -بغض النظر عن مكان إقامته أو وضعه الاقتصادي- على رعاية صحية ذات جودة، فالصحة حق أساسي، وحكومتنا مصمِّمة على ضمان احترام هذا الحق للجميع. إن رؤيتنا للتنمية لن تقتصر فقط على البُعدين الاجتماعي والاقتصادي، ولا شك أن العولمة التي تطل علينا اليوم تجلب منافع لشعوبنا بالتأكيد، ولكنها تقوض أيضا أسسنا وهويتنا الوطنية التي تتعرض حاليا للاختبار، ومن واجبنا حماية وتعزيز ما شكَّل قوتنا وتميُّزنا في منطقتنا... من واجبنا أيضاً أن نتذكر ونستعيد قيمة تراثنا الثقافي.

 لذلك، فإن أسبوع التراث الوطني، الذي سيُقام في ديسمبر، يُعتبر احتفالًا بإرثنا وتراثنا، ستكون هذه المناسبة فرصة لتأكيد التزامنا بحماية وتعزيز تراثنا من خلال وضعه في صميم هويتنا الوطنية.

وإن نقل المحفوظات العامة من الإدارة بأكملها إلى المحفوظات الوطنية في بداية ديسمبر سيكمل هذه العملية مما يضمن بقاء ذاكرتنا الجماعية حيَّة ومتاحة للأجيال القادمة. السيدات والسادة، إن فرصنا هائلة ومفعمة بالأمل، وتدعونا إلى العمل معًا في انسجام تام لخدمة بلدنا بنفس العزم والشغف والإحساس بالواجب الذي لطالما وجه خطواتنا.