عاد رئيس الجمهورية السيد/إسماعيل عمر جيله مساء أمس الأول الثلاثاء إلى أرض الوطن بعد مشاركته في مراسم تأبين الزعيم التاريخي الراحل نيلسون مانديلا، التي أقيمت في ملعب «سوكر سيتي» بجوهانسبورج. وكان في مقدمة مستقبليه لدى وصوله إلى مطار جيبوتي الدولي رئيس الوزراء السيد/عبد القادر كامل محمد، ورئيس الجمعية الوطنية السيد/ إدريس أرناؤوط علي، وأعضاء الحكومة ومسؤولون عسكريون ومدنيون كبار آخرون. وإلى جانب رئيس الجمهورية، شارك في حفل تأبين الرئيس الأسبق لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا الذي توفي يوم الخميس الماضي عن عمر يناهز 95 عاما نحو مائة من قادة ورؤساء دول العالم، إلى جانب حضور 95 ألف شخص، حيث نقلت المراسم عبر شاشات عرض كبيرة في ثلاثة من الملاعب الأخرى التي فاضت بالمشاركين. ومن المقرر أن يتم دفن زعيم جنوب إفريقيا يوم الأحد القادم في قريته كونو جنوب البلاد. وبدأ الحفل بالنشيد الوطني لجنوب أفريقيا، ثم تعاقبت الخطب والأغاني، وتخلتله كلمات العديد من رؤساء دول العام مثل الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أشاد بالزعيم الراحل، معتبراً أن قصة أيقونة مناهضة سياسة التمييز العنصري هي التي وجهته «إلى المسيرة غير المتوقعة» ليصبح أول رئيس أسود للولايات المتحدة وجعلته «يرغب في أن يكون أفضل رجل». وقال أوباما في كلمته خلال حفل التأبين الذي وصف بالتجمع الأكبر لزعماء الدول في التاريخ المعاصر، إن «مانديلا اكتسب مكانته في العالم عبر النضال والفطنة والإصرار والإيمان، مانديلا لم يحرر السجناء فقط بل السجّانين أيضاً». وتوجّه الرئيس أوباما إلى شعب جنوب إفريقيا، قائلاً «العالم يشكركم لتشارك نيلسون مانديلا معنا»، ووصفه بـ«المحرر الأكبر في القرن العشرين إلى جانب مهاتما غاندي ومارتين لوثر كنغ»، وتابع «نضاله كان نضالكم ونصره كان نصركم». كما نعى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مانديلا في خطاب قال فيه، إن «جنوب إفريقيا والعالم فقدا صديقا ومعلما». وقال بان إن «ذلك وقت التأمل وليس الحزن فقط على رحيل مانديلا»، مضيفاً «نجتمع معا حزنا على خسارة عظيمة واحتفالا بحياة عظيمة، ياله من عرض رائع لأمة قوس قزح، في الطبيعة يظهر قوس قزح من المطر والشمس، إنه المزيج لرمز الحزن والامتنان الذي أشعر به اليوم».وتابع بان إن مانديلا «كان يكره الكراهية، وأظهر قوة الصفح وقدرتها على توحيد الناس». واختتم بان كي خطابه القصير بالقول «لقد كان معلما بالقدوة، ضحى بالكثير وكان مستعدا للتخلي عن كل شيء من أجل الحرية والمساواة والعدالة». وأشار رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما في كلمته خلال مراسم تأبين مانديلا إلى أن «القارة الإفريقية بأجمعها تشعر بأنها أقوى اليوم بعدما أتى الملايين من حول العالم لحضور هذه المراسم». ولفت زوما إلى أن «مانديلا وضع الأسس اللازمة لجنوب إفريقيا التي كنا نحلم بها كدولة ديمقراطية وحرة»، مضيفاً: «كنا بحاجة إلى زعيم مثل مانديلا ليساعدنا على الانتقال من نظام التمييز العنصري إلى الديمقراطية».من ناحيتها، اعتبرت رئيسة البرازيل ديلما روسيف في كلمتها خلال حفل التأبين أن «قارة جنوب أفريقيا كلها حزينة بوفاة مانديلا الشخصية الأعظم في القرن الـ21» على حد قولها.ورأت أن «مسار مانديلا مثل يحتذى به لجميع الذين يقاتلون من أجل الحرية والعدالة والمساواة»، مضيفة: «هذا القائد العظيم الذي كان يركز دائماً على مستقبل بلاده وشعبه، كان أيضاً مصدر إلهام لنضال شاهدناه في البرازيل وأماكن أخرى».وأكدت أن «ماديبا هو نموذج لنا جميعاً، وهو الشخص المثابر الذي عانى كثيراً خلال فترة السجن وتحمل المعاناة، وكان قوياً ومصمماً، وأظهر ذلك خلال معركته بسبب التزامه تجاه العدالة والسلام والأهم من كل ذلك، بسبب تفوقه الأخلاقي والمعنوي». جثمان مانديلا ينقل بموكب لمقر الحكومة هذا ووصل جثمان زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا يوم أمس الأربعاء إلى مقر الحكومة، حيث يسجى لمدة ثلاثة أيام بعد جولة جاب فيها شوارع بريتوريا تم خلالها المرور بمواقع تحمل أهمية بالغة لدى مانديلا، مثل السجن المركزي، حيث سجن عام 1962 بتهمة التحريض ومغادرة البلاد بشكل غير قانوني، وقصر العدل، حيث مثل مانديلا أمام المحكمة في الفترة بين عامي 1963 و1964 بتهمة الخيانة والتخريب مع عشرة آخرين، وقد أفضت إدانته إلى إيداعه السجن لمدة 27 عاما ليخرج عام 1990 لمحاربة نظام الفصل العنصري في البلاد. وكذلك منزل بول كروجر الذي يلقب بأبي الأمة الأفريقية، وهو الذي قاد حركة مقاومة ضد الغزو البريطاني خلال الحرب التي بدأت 1880. محطات في حياة نيلسون مانديلا نيلسون مانديلا واحد من أكثر رجالات الدولة احتراما، وهو الذي قاد النضال لتغيير النظام العنصري في جنوب إفريقيا بآخر ديمقراطي متعدد الأعراق. وقضى في السجن 27 عاما، ثم خرج منه ليصبح أول رئيس أسود للبلاد، وأدى دورا رئيسيا في إحلال السلام في مناطق النزاع الأخرى، وفاز بجائزة نوبل للسلام عام 1993. وتفسر جاذبيته وعصاميته وروحه المرحة، إضافة إلى عدم رغبته في الانتقام من معاناته التي عاشها، وتسلسل حياته المدهش، بشكل جزئي، القبول العالمي غير المهعود الذي يحظى به. فمنذ انتهاء مدته الرئاسية عام 1999 أصبح مانديلا سفيرا من أرفع طراز لجنوب أفريقيا، يقود الحملات على الإيدز، كما ساعد بلاده على استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2010. ورغم تشخيص إصابته بسرطان البروستاتا عام 2001، فإنه اشترك في مفاوضات السلام في الكونغو الديمقراطية، وبوروندي، وباقي الدول الإفريقية والعالم. وفي عام 2004، عندما كان عمره 85 عاما تقاعد مانديلا من الحياة العامة، ليقضي حياته مع أسرته وأصدقائه، ويحظى بالسكينة. وقال بروحه المرحة محذرا من يرغب في دعوته لحملات مستقبلية :»لا تتصل بي، أنا سأفعل».وبعد التقاعد الرسمي لمانديلا ظهر للحياة العامة مرات قليلة، وفي نوفمبر عام 2010 أصدر مكتبه صورا للقائه مع لاعبين في المنتخبات الأمريكي والجنوب إفريقي لكرة القدم. وفي نهاية يناير من عام 2011 نقل إلى مستشفى جوهانسبرغ من أجل إجراء فحوصات خاصة، مما أعاد إلى ذهن رئاسة الجمهورية في جنوب إفريقية القلق من إصاباته السابقة بأزمات في التنفس. ثم نقل إلى المستشفى مرة أخرى في فبراير 2012، ووصف هذا المكتب الرئاسي بأنه «شكوى مستمرة في البطن». ولد نيلسون مانديلا عام 1918 في عشيرة زوسا الناطقة بلغة الثيومبو، في قرية صغيرة شرقي مدينة كيب تاون، اسمها روليهلاهلا داليبهونجا في جنوب إفريقيا، واعتاد الناس في جنوب إفريقيا على مناداته بالاسم الذي تخاطبه به عشيرته وهو «ماديبا»، وحصل على اسمه الإنجليزي نيلسون من معلمه في المدرسة. وتوفي والده الذي كان مستشارا لعائلة الثيومبو الملكية عندما كان نيلسون في التاسعة، وتولى رعايته بعد ذلك رئيس عشيرة الثيومبو جونجنتابا دالينديبو. وأصبح عضوا في الكونغرس الأفريقي عام 1944 كناشط في البداية، ثم كمؤسس، ثم كرئيس للمؤتمر الوطني الإفريقي الممتاز للشباب، وأخيرا، وبعد سنوات السجن، استمر رئيسا له. وتزوج مانديلا زوجته الأولى إيفيلين ماسي عام 1944 التي أنجبت له أربعة أبناء قبل طلاقه عام 1958 ، وفي ظل حملة مناهضة التمييز العنصري تزوج مانديلا عام 1958 من زوجته الثانية ويني ماديكيزيلا مانديلا، التي قادت بعد ذلك حملة المطالبة بتحريره من السجن. وبدأ مانديلا العمل السري في المؤتمر الإفريقي للشباب بعد حظره عام 1960، ثم تزايدت التوترات في البلاد مع تنامي الحملة المناهضة للتمييز العنصري، وتصاعدت بعد حوادث متفرقة بين عامي 1960 و1969 بعد أن قتلت الشرطة عددا من السود فيما أطلق عليه مجزرة شاربفيل. السجن مدى الحياة وشكل هذا الحادث نهاية للمقاومة السلمية، وأسس مانديلا، الذي كان يشغل منصب نائب المؤتمر الأفريقي، حملة مقاومة للتخريب الاقتصادي، ثم ألقي القبض عليه بعد ذلك، ووجهت إليه اتهامات بمحاولة قلب نظام الحكم من خلال التخريب والتحريض على العنف.ومن قاعة المحاكمة في محكمة ريفونيا، وقف مانديلا على المنصة يشرح معتقداته حول الديمقراطية والحرية والمساواة. وقال مانديلا «إنني أعتز بالمفهوم المثالي للديمقراطية وحرية المجتمع، حيث يحيا جميع الأشخاص في تناغم وحقوق متساوية، إنها المثالية التي أحلم أن أحيا من أجلها وأطبقها، ولكن إذا ما دعت الحاجة لذلك فإنني مستعد للموت من أجلها أيضا». وحكم عليه في شتاء عام 1964 بالسجن مدى الحياة. وخلال 12 شهرا بين عامي 1968 و 1969 توفيت والدته، وقتل ابنه الأكبر في حادث تصادم، ولم يسمح له بحضور الجنازتين، وبقي في سجن روبن آيلاند لثمانية عشر عاما قبل أن ينقل إلى سجن بولسمور في بلاده عام 1982. وخلال فترة بقاء مانديلا وباقي قادة المؤتمر الإفريقي في السجن أو المنفي، واصل الشباب السود في جنوب إفريقيا حملة مناهضة التمييز العنصري على حكم الأقلية البيضاء. وخلال هذه الانتفاضة التي شارك فيها أطفال المدارس، قتل المئات وجرح الآلاف، ولكن في عام 1980 أسس تامبو، وكان في المنفى، حملة لإطلاق سراح مانديلا، وقرر المجتمع الدولي عقوبات على جنوب إفريقيا في عام 1967 على نظام التمييز العنصري.وبدأت هذه الضغوط تؤتي ثمارها، ففي عام 1990 رفع الرئيس إف دابليو دي كلارك الحظر عن المؤتمر الإفريقي، وأطلق سراح مانديلا، وبدأت محادثات بإنشاء نظام جديد يقوم على ديمقراطية تعدد الأعراق في جنوب إفريقيا. وفي عام 1993 حصل كل من مانديلا وكلارك على جائزة نوبل للسلام. وبعدها بخمسة أشهر، ولأول مرة في تاريخ جنوب إفريقيا، صوتت كل الأعراق لانتخاب مانديلا رئيسا، وكانت المشكلة الرئيسية التي تولى مانديلا علاجها هي توفير السكن للفقراء والنهوض بالأحياء الفقيرة، ومكافحة الفساد في معظم المدن. وتابع مع رئيس وزرائه ثابو مبيكي ليثبت خطواته كزعيم ويبني صورة دولية جديدة لجنوب إفريقيا، واستطاع إقناع الشركات المتعددة الجنسية بالبقاء والاستثمار في جنوب إفريقيا.وفي عيد ميلاده الثمانين تزوج مانديلا جراسا ماتشيل أرملة رئيس موزمبيق، واستمرت رحلاته الدولية، وحضوره المؤتمرات، وحصده الجوائز بعد انتهاء مدته الرئاسية.وفي عيد ميلاده 89 انضم إلى مجموعة الحكماء، وهي مجموعة تضم شخصيات من قادة العالم، من أجل الاستفادة من خبراتهم وحكمتهم للتعامل مع مشكلات العالم. كما أصبح أول جنوب إفريقي توضع صورته على أوراق النقد عام 2012.