ترعرع سانغا موسى حافي القدمين في قرية أوغندية صغيرة سقوف مساكنها مصنوعة من القش وتفتقر إلى الكهرباء. مع ذلك، لقد أصبح أول خريج كلية في قبيلته وحصل على وظيفة في البنك في كمبالا العاصمة. عند عودته من العاصمة الأوغندية إلى قريته في زيارة لها عام 2009، التقى شقيقته البالغة من العمر 12 عاما على الطريق. “وقفت هناك وهي تبكي، مع حزمة ثقيلة من الخشب على رأسها. كانت مستاءة لأنها، مثل معظم الفتيات في المناطق الريفية، تغيب أياماً عن المدرسة كل أسبوع بحثاً عن الحطب“، يقول موسى متذكراً. ” أختي… كانت تخسر الفرصة الوحيدة لديها لجعل حياتها أفضل، وهي التعليم“، أضاف قائلاً. لم يكن ذلك التغيير الوحيد الذي لاحظه موسى في مسقط رأسه. “عندما كنت صغيراً، كان بيتنا محاطاً بالغابات الوطنية. أما الآن، فقد ذهبت كل تلك الأشجار، وعلى الأطفال السير فترة ومسافات أطول لجمع الحطب“، يقول موسى. وفي بحثه عن حل للمشاكل المتولدة من حرق الخشب، استقال موسى من وظيفته وبدأ، قدر الامكان، بتعلم كل شيء حول الموارد المتجددة. في نهاية المطاف خرج بممارسة شعبية متزايدة تتعلق بتحويل النفايات العضوية إلى وقود. “نظرت من النافذة ورأيت كومة هائلة من حطام قصب السكر. فأوغندا بلد زراعي في المقام الأول. لكن كان يتم التخلي عن النفايات الزراعية فحسب“، قال موسى. هكذا بدأ موسى العمل مع طلاب الهندسة لتصميم أفران وآلات القولبة. وبعد أربع سنوات، استخدم 2500 مزارع هذه الأفران لتحويل نفايات المزارع– قشور القهوة ونفايات قصب السكر والأرز– إلى فحم. فالشركة التي أسسها موسى، باسم Eco-Fuel Africa( الوقود البيئي الافريقي)، تشتري الفحم ( المواد المتفحمة) وتحوله إلى قوالب للطبخ والتي تحرق بشكل أنظف وأقل تكلفة من الخشب. إذ تأخذ الشركة تلك القوالب إلى السوق، وتوفر الوقود لأكثر من 19000 أسرة أوغندية. (اقرأ: سؤال وجواب مع سانغا موسى). “إن حرق الحطب لا يدمر فقط أشجار أوغندا، ولكنه يؤثر أيضاً على الفرص الصحية والتعليمية بالنسبة لأفقر الناس“، يقول موسى. ثم أضاف، ” نحن نمنحهم بديلاً“. حرق الاخشاب يتسبب بأضرار إن المشاكل التي سببها حرق الغابات لعائلة موسى وبلدته يمكن رؤيتها على امتداد جنوب الصحراء الكبرى الافريقية. إذ يعتمد ثمانية من كل عشرة أشخاص في المنطقة على الخشب لطهي الطعام وتدفئة منازلهم. وفي حين يتم تدمير المزيد من الغابات لتلبية هذا الطلب– في أوغندا، ذهب 70 في المائة من الغابات المحمية – لا بد للأسر من قطع مسافات اطول كل يوم لشراء الخشب الذي اصبح نادراً ومكلفاً على نحو متزايد. تنفق الأسر في العالم النامي ما يصل الى 40 في المئة من دخلها على وقود الطهي. وإلى جانب ترك الأطفال محرومين من الوقت الكافي لتحصيل العلم، فإن ذلك يعني أن المزارعين الفقراء قد أصبحوا أقل قدرة على تحمل عبء ثمن الأسمدة، مما يتسبب بتكبدهم خسارة في المحاصيل وارتفاع نسبة سوء التغذية. إن حرق الأخشاب يتسبب بخسائر فادحة تتعلق بصحة الإنسان، إذ ينشأ عن ذلك هواء داخن في الأماكن المغلقة مما يؤدي إلى أمراض في الجهاز التنفسي تقتل من النساء والأطفال كل عام اكثر ما يفعل فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. إن حرق الفحم الاخضر النظيف لموسى يقلل من تلوث الهواء في الأماكن المغلقة وأدى بالفعل الى توفير أكثر من ثلاثة ملايين دولار في نفقات الاوغنديين المتعلقة بالطاقة. “إن الأسر تستخدم هذه الأموال لدفع الرسوم المدرسية لأبنائها، واصبحت قادرة على تحمل توفير ثلاث وجبات يومياً من الطعام، وتمويل أنشطة جديدة مدرة للدخل“، يقول موسى. في الواقع، إن المزارعين العاملين مع مؤسسة الوقود البيئي الافريقي ( Eco-Fuel Africa ) قد تضاعفت مداخيلهم ثلاث مرات عن طريق بيعهم للفحم من الأفران. أما البقايا الخشنة فيتم استخدامها كسماد، الأمر الذي يمكن أن يؤدي الى زيادة المحاصيل بنسبة تفوق الـ 50 في المئة، وخلق فائض في المحاصيل لبيعها في السوق. تخوض مجموعة موسى معارك لمكافحة قطع الغابات، وذلك باستثمار الأرباح في زراعة 12000 شجرة جديدة اضافة الى الشراكة مع المدارس المحلية لجعل إعادة التحريج جزءاً من الثقافة البيئية. “اليوم، يأتي الشباب الذين يتخرجون من الكلية إلينا ويقولون لنا: انا لا يهمني كم ستدفع لي، أريد أن أنضم إليكم لأنني مؤمن بقوة بما تفعله “، يقول موسى. تبحث مؤسسة ” الوقود البيئي الأفريقي” (Eco-Fuel Africa) أيضاً عن الموظفين في اوساط الأرامل والأمهات العازبات الاوغنديات، اللواتي غالباً ما يكافحن لتحصيل لقمة العيش بعد وفاة أزواجهن بسبب فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. واضاف “انهن يقدِّرن الفرصة الممنوحة لهن ليصبحن من مشغلي الآلات وتجار التجزئة. ما جلب لنا التزاماً وتفانٍ لا يصدق، مع العمل الجاد لأجل نجاح مشروعنا“، يقول موسى. ويتابع موسى قائلاً، “في كثير من الأحيان عندما أزور القرى، تمسك امرأة ما بيدي وتقول: منذ ستة أشهر كنت بالكاد أطعم أسرتي، أما الآن فقد اصبحت قادرة على تسجيل ابنتي في المدرسة وشراء الألواح الشمسية والهاتف المحمول“. وقد نالت مؤسسة “الوقود البيئي الأفريقي” (Eco-Fuel Africa ) الاهتمام من جانب دول كرواندا، كينيا، وزامبيا، ولكن موسى يقول بأنه يريد ” جعل نموذج أعمالنا صحيحاً اولاً ومن ثم التوسع في بلدان جديدة“. وبتمويل من ناشيونال جيوغرافيك، ساعدت هذه الاخيرة المنظمة على تطوير آلة لصنع فحم حجري يمكن تشغيلها بدون كهرباء، لذا فهي قابلة للتطبيق في المناطق الريفية النائية. “الآن نستطيع تحقيق الامتياز الجزئي في قرى بعيدة عن شبكة الكهرباء“، يقول موسى. واضاف، “اننا نقوم بتحديد المتعهدين، توفير التدريب والدعم، وتوفير التكنولوجيا على أساس القروض الائتمانية حتى يتمكنوا من بدء الأعمال التجارية المستدامة وخلق فرص عمل، وتلبية احتياجات الطاقة المحلية“. كل ذلك في الوقت الذي يتم فيه تحسين الوضع الصحي للاوغنديين– وإنقاذ غاباتهم.