يصادق رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، الاثنين المقبل، على قانون جهاز الأمن لسنة 2014، بعد حصوله على غالبية برلمانية. وعلى الرغم من اعتراضات المعارضة وبعض الناشطين على منح صلاحيات واسعة لقوات الأمن، فضلاً عن الحصانة المفتوحة في حال ارتكاب جرائم أثناء تنفيذ المهمات الموكلة إليهم، لكنّ القانون سيصبح ساريّاً، وهو ما سيشكّل مخالفة لدستور البلاد والمواثيق والقوانين الدولية.ولم تلتفت الحكومة في جوبا إلى المناشدات والمطالبات الصادرة عن منظمات دولية وإقليمية بإيقاف القانون، باعتباره معيباً ويُحكم قبضة الدولة، ويؤثر سلباً على مناخ الحريات، الذي يواجه تراجعاً خلال الفترة التي أعقبت الحرب في الدولة الجديدة في ديسمبر الماضي. تدافع السلطات في جوبا بشدّة عن القانون الجديد، انطلاقاً من كون الدولة في حالة حرب، وهو ما يدعو إلى إيجاد جهاز أمن قوي، بصلاحيات واسعة، للحدّ من حالات الانفلات.ويقول وزير الاعلام الجنوبي، مايكل مكواي لـ»العربي الجديد»، إنّ «الدولة الآن في حالة حرب، ومن حقّها أن تسنّ القوانين، وفقاً لرؤيتها». ويشير إلى أن «العبرة في التطبيق»، متسائلاً: «لماذا يحدث قانون الأمن كل تلك الضجة ويخافه الناس، إذا لم يكن هناك شيئ في نفس يعقوب؟»، قبل أن يقطع «باتساق القانون مع الدستور». ويرى أنّ القانون «غير متّفق مع الشخصيات التي تنتقده، والحكومة ستمضي فيه من دون النظر إلى الاعتراضات»، لافتاً إلى أنّ «القانون بات في مكتب الرئيس وسيوافق عليه قطعاً».وكانت منظمة العفو الدولية، قد انتقدت القانون، واعتبرته «معيباً»، باعتباره يخالف دستور الجنوب والقوانين الدولية، وطالبت بالعدول عنه. لكنّ وزير الاعلام يرفض هذه الانتقادات، ويعدّها تدخلاً في الشأن الداخلي. ويوضح في هذا السياق أنّ «القانون يخصّ دولة جنوب السودان وسيطبّق بداخلها، وليس داخل أية دولة، وإن حدث خطأ ما أثناء التطبيق، فوقتها عليهم أن يبدوا رأيهم ويعلقوا».ويمنح القانون الجديد صلاحيات واسعة للأمن، في ما يتعلق بالاعتقال والسجن لمدد غير معروفة والتفتيش ومصادرة الأملاك، فضلاً عن حق إجراء المحاكمات. وأعطى القانون كذلك، رجل الأمن حصانة من المساءلة القانونية، وصلت حدّ الإفلات من العقاب والمحاسبة في حال ارتكابه جرماً أثناء أداء مهماته المحددة.ويثير القانون، الذي اعتمدت الحكومة في تمريره على غالبية برلمانية، بعد مقاطعة كتلة المعارضة الممثّلة بـ»الحركة الشعبية للتغيير»، بزعامة وزير الخارجية السابق، لام أكول، مخاوف الأوساط الجنوبية، التي جاهرت بانتقاده عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً «فيسبوك».وتبرز الخشية في البلاد من عودة بيوت الأشباح، التي كان يجري فيها تعذيب وإرهاب المعارضين في السودان الشمالي. ويعتبر رافضو القانون أنّ من شأنه الزجّ بنصف سكان الجنوب في الحبس، بجانب معارضي الحكومة والتعرّض لمخاطر القتل. ويرون أنّ القانون «مفصّل» خصوصاً لحماية النظام وأركانه وتحويل الدولة الوليد إلى «دولة قابضة».ولم يتردّد معارضو القانون في تذكير النظام بمواقفه السابقة من قانون الأمن السوداني، إبّان الفترة الانتقالية، أي ما قبل الانفصال، حين عارض القانون، بوصفه يمنح أفراد الأمن صلاحيات واسعة في الاعتقال التحفظي والمصادرة، ما يؤسّس للقهر والظلم، وهو ما يتنافى مع المبادئ التي جرى النضال من أجلها قرابة ربع قرن عبر الحرب الأهلية ضد الحكومة في السودان الشمالي.ويؤكّد رئيس «الحركة الشعبية للتغيير»، لام كول، لـ»العربي الجديد»، رفضه القانون الجديد، ويوضح أنه «مخالف للدستور الذي حدد مهمات الأمن في جمع المعلومات وتحليلها وتقديم توصيات في شأنها للجهات المختصة»، لافتاً إلى أنّ «القانون الحالي يمنح الأمن حق الاعتقال من دون تصريح من القضاء، وحقّ الحبس لفترات طويلة، إلى جانب منحه أفراد الجهاز الأمني حصانة غير معهودة».ويضع كول القانون في سياق سياسة «تكميم الأفواه والحدّ من حرية المواطنين»، مجدداً مناشدته الرئيس، سلفاكير، بعدم التوقيع على القانون وإعادته إلى البرلمان لمواءمته الدستور».من جهته، يبدي المتحدث الرسمي باسم وفد المتمردين المفاوض، يوهانس موسى، خشيته من أن «يدشّن القانون مسيرة من التصفيات الجسدية في جوبا، ويفتح بيوت الأشباح مع حراس سلفاكير لإغراق البلاد في دماء الأبرياء، في مقدمهم الدستوريون»، لافتاً إلى أنّ «قاعدة سلفاكير هي أن السلاح يجري تجريبه على صانعيه أولاً».
وفي تحد واضح للقانون، يشدّد موسى، عبر صفحته على موقع «فيسبوك»، على أنّ «القانون لا يعنينا في شيىء، ومجرد أن تطأ أقدامنا جوبا سينتهي، لكنني أشفق على أنصار كير باعتبار أنّهم سيكونون أول من سيطالهم ذلك القانون».