حققت رواندا نجاحا ملحوظا في الحد من الجوع بين الأطفال، ويعتقد خبراء التغذية أن تجربتها قد تمثل نموذجا يحمل العديد من الدروس لبلدان أخرى في أفريقيا . . وقد أشاد صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، في تقريره لعام 2013 عن التقدم المحرز في معالجة سوء التغذية بين أطفال رواندا، ففي عام 2005 كان أكثر من نصف الأطفال دون سن الخامسة من العمر – و يقدر عددهم بحوالي 800.000 ألف طفل- يعانون من سوء التغذية والوهن والضعف، وخلال خمس سنوات انخفضت النسبة من نحو 52 % إلى 44%.وأشار التقرير إلى أن النجاح جاء نتيجة أن النهج الرواندي اعتمد على محاولة إيجاد حلول نابعة من الداخل. . حيث تم الارتقاء ببرامج التغذية المجتمعية في الثلاثين مقاطعة التي تتكون منها الإدارة المحلية في البلاد، كما تم إعداد خطة التأمين الصحي المجتمعي الشامل تقريبا.وقال فيديل نجابو، مدير صحة الأم والطفل في وزارة الصحة الرواندية « إن هذا قد تم عبر الغذاء الذي يزرع وينتج محليا، وليس عبر حزم التدخلات التي تقدمها الجهات المانحة، وان هناك الآلاف من الحلول المحلية لمواجهه الجوع وسوء التغذية... وكل قرية اتبعت النهج المجتمعي الخاص بها لمعالجة سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي بدون أن تتكلف أي عب ء مالي إضافي، ونحن في مركز صحة الأم والطفل نقوم بتقديم الدعم ونلعب دور الرصد و التوجيه «.وأشار « نجابو» إلى أن ابرز الأمثلة لحل أزمة سوء التغذية، كان العمل على إنشاء احتياطي مجتمعي من الحبوب بحيث تساهم كل أسرة بما لا يقل عن 20 في المائة من محاصيلهم خلال موسم جيد، مع تخزين الحبوب للاستخدام خلال المواسم العجاف؛ أو التوسع في زراعة الحدائق بالمنازل مع توفير المعلومات حول الخضروات التي يمكن زراعتها.. كذلك تم تأسيس مجموعات عمل تضم وكالات المعونة والباحثين والأكاديميين والمسؤولين الحكوميين تناقش الاقتراحات والحلول المقترحة».ويشير تقرير اليونيسيف إلى أن حل أزمة الغذاء في أفريقيا يجب أن ينبع من البحوث أن تقودها أفريقيا وليس المانحين .. فمعظم البحوث حول إيجاد حلول لسوء التغذية في أفريقيا تتم خارج دول المنطقة، لذا يجب ان يتم الاهتمام بالبحوث و توفير الموارد والدعم للباحثين في أفريقيا لإيجاد حلول تنبع من البيئة المحيطة، والنموذج الرواندي يمكن تعميمه في البلدان الأفريقية الأخرى، في الوقت الذى تتُرك فيه مسالة تطوير وإيجاد الحلول التقنية لمبادرات الجهات المانحة الأجنبية.ووفقا لنتائج دراسة تم إجراؤها على مدار سنتين بتمويل من الاتحاد الأوروبي ضمن مشروع Sunray) بحوث التغذية المستدامة لأفريقيا في السنوات المقبلة)، وجد أن التغيير لن يأتي إلا عبر بحوث التغذية التي تستهدف ظروف و احتياجات دول أفريقيا والتي يتم تصميمها لتلبية أولويات هذه البلاد ..ويقول باتريك كولشترن منسق المشروع من معهد الطب الاستوائي في أنتورب، بلجيكا «نحن بحاجة إلى هزة للبحوث الغذائية في أفريقيا وتحويلها رأسا على عقب، وفي الوقت الراهن، نجد أن الباحثين بالبلدان المتقدمة يبحثون عن الشركاء الأفارقة لإجراء البحوث المشتركة، على أساس التمويل والأولويات البحثية المحددة خارج أفريقيا ، و لكن أصبح الآن هناك حاجة وضرورة لان يستند جدول أعمال البحوث على الاحتياجات التي تم تحديدها داخل القارة و يجب أن تكون شراكة و مقترحات البحوث من الجهات المانحة متطابقة مع هذه الأجندة. «ويضيف منسق المشروع أن « أجندة البحوث القائمة هي أساسا موجهة من الجهات المانحة و وهى في الأغلب لا تتماشى مع الاحتياجات والأولويات المحددة محليا .. و يضرب مثلا بما يحدث في دولة «بنين» على سبيل المثال، حيث ينتظر الباحثون وصناع السياسة في بنين «إملاء الأوامر من الجهات المانحة قبل اتخاذ أي إجراء» وبالتالي نجد أن البرامج الممولة من الجهات المانحة ليست مستدامة و غير مؤثرة بشكل كبير.وتؤكد الدراسة انه «على الرغم من الكميات الهائلة من الأموال التي تنفق على أبحاث التغذية إلا أن معدلات سوء التغذية في بنين لم تنخفض كما حدث في رواندا التي جعلت من قضية التغذية أولوية قومية فضلا عن توفر الإرادة السياسية لحل هذه المشكلة بدلا من الاعتماد على تمويل و توجيه الجهات المانحة التي عادة ما تملى أجندتها الخاصة على الدولة و الحكومات المتلقية للمنح والأموال.ولقد اعتمدت دراسة ( بحوث التغذية المستدامة لأفريقيا في السنوات المقبلة) على استشارة أكثر من 100 من أصحاب المصلحة في 40 بلدا جنوب الصحراء الكبرى، وحددت المجالات ذات الأولوية بالبحث: مثل تأثير التدخلات المجتمعية؛ وما الذي يؤثر على نوعية وكمية الغذاء الذي يتناوله الطفل، وكيفية تعزيز فعالية الأطعمة التقليدية وهل هذه الأطعمة تساعد الناس خلال فترات الصدمات المناخية.ويقول تقرير اليونيسيف إن تمويل بحوث التغذية في أفريقيا يجب أن يتواءم مع الأولويات المحددة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ و يساعد هذه البلدان على تطوير القدرات التقنية؛ وتقاسم النتائج مع بعضها البعض من اجل تعميم الفائدة والقضاء على سوء التغذية المنشر بالقارة الأفريقية، بعد أن دفعت أزمة أسعار الغذاء في العالم خلال الفترة من 2006 – 2008 أعداد الأطفال ممن يعانون من سوء التغذية إلى مستويات صادمة ..وباستعراض مؤشر الجوع العالمي لعام 2013، الذي نشره معهد بحوث السياسات (IFPRI)، التابع لمنظمة الأغذية الدولية، نجد أن معظم البلدان الأفريقية كانت صاحبة أعلى الدرجات علي المؤشر أو ذات مستويات مثيرة للقلق بالنسبة للجوع في أفريقيا.. وتعد «بوروندي وإريتريا وجزر القمر» هي الدول الأكثر جوعا و تقع في أسفل المؤشر.كذلك فان المبادرة الزراعية الخاصة بمؤشرات العلوم والتكنولوجيا (ASTI)، التي يديرها (IFPRI) وتراقب الإنفاق على البحوث الزراعية والتنمية، ترسم صورة قاتمة لتمويل البحث والتطوير في أفريقيا، حيث من بين البلدان التي تتوفر لها بيانات، سجلت نصف هذه البلاد نموا سلبيا بوجود خفض في الإنفاق على البحث والتطوير الزراعي بين عامي 2000 و 2008.
ولكن ومع كل هذه الأرقام السلبية والمخيفة إلا أن تقرير اليونيسيف يتوقع مستقبل أفضل خاصة مع بدء وجود تركيز جديد على دعم سياسات التغذية، وتوفر مزيد من الاستقرار السياسي بعد انتهاء الصراعات المختلفة، فضلا عن التحسن في النمو الاقتصادي بمعظم الدول الأفريقية .